وكان الربيعُ بنُ خيثم إذا قِيل لَهُ: كَيفَ أَصبحتَ؟ قال: ضَعِيفًا مُذْنِبًا أَسْتَوفي رزْقِي وأنتظُر أَجَلي. وقِيلَ لأُوَيْس القَرْنِي: كَيْفَ أَصْبَحَتَ؟ قال: كَيفَ يُصِحُ رَجُلٌ إذا أمْسَى لا يدْرِي أنه يُصْبِحُ، وَإِذَا أَصْبَحَ لا يَدْري أَنَّهُ يمُسِي.
وهكذا كانَ سَلَفُنا الصالحُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ومع هذا فقد كانوا دائمًا يَسْأَلُونَ اللهَ العَونَ والنَّصْرَ والرُشْدَ والتَّوفِيقَ لِمَا يُحُبِهُ وَيَرضَاه.
شِعْرًا:
إِذَا لَمْ يُعنكَ اللهُ فِيمَا تُرِيدُهُ
(فَلَيْسَ لِمَخْلُوق إِليهِ سَبِيلُ
(وَإِنْ هُوَ لم يَنْصُرْكَ لم تَلْقَ نَاصِرًِا
(وإِنْ عَزَّ أنْصَارٌ وجَلَّ قَبِيلُ
(وإِنْ هُو لَمْ يُرْشِدْكَ في كُلِّ مَسْلَكٍ
(ضَلَلْتَ وَلَو أنَّ السِّمَاكَ دَلْيلُ
(قال بَعْضُ العُلمَاء: أَعْظَمُ المعاقَبةِ أَنْ لا يُحِسَّ المعاقَبُ بالعقوبة، وأشَدُ مِن ذلك أَنْ يَقَعَ السرورُ بما هو عُقُوبة، كالفَرَحِ بالمِالِ الحَرامِ، والتَّمكُّنِ مِن الذُنُوب، ومَن هَذِهِ حَالُه لا يَفُوزُ بطاعَةْ. وقال آخر: الغُمُومُ ثَلاثَةْ: (1) غَمُّ الطَّاعَةْ أَنْ لا تُقْبَلْ، (2) غَمُّ المَعْصِيةِ أنْ لا تُغْفَر، (3) غَمُّ المَعْرِفَة أَنْ تُسْلَبْ.
وقال آخِر: إذا عَصَيْتَ الله في مَوْضعِ فلا تفارقَ الموضعَ حَتَّى تعمل فيه
طَاعة وَتقيم فيه عِبَادَة فَكَما يشهد عَلَيْكَ إِذَا اسْتُشْهِدْ يَشهد لك، وكذَلِكَ ثوبك إِنْ عَصَيْتَ الله فِيه فكن كما ذكرته لك.
شِعْرًا يا نَاظِرًا يَرْنوا بِعَيْنِيَ راقِدِ
(ومُشَاهِدِ لِلأَمْرِ غَيْرَ مُشَاهِدِ
(تَصِلُ الذُّنُوبَ إِلى الذُّنُوبِ وتَرتَجي
(فَوْزَ الجِنَانِ ونَيْل أَجْرِ العَابِدِ
(ونَسِيتَ أنَّ اللهَ أَخْرجَ آدَمًا
(مِنْهَا إِلىَ الدُنْيَا بِذَنْبٍ واحِدِ
(وَقَال: وَإنِّي تَدَبَّرْتُ أَحْوالَ أَكْثَرِ العُلَماءِ المُتَزهِّدِين فَرأَيتُهمْ في عُقوباتٍ لا يحُسُّونَ بها، وَمُعْظَمُهَا مِن قِبَل طَلَبِهم لِلرِّيَاسَةِ. فالعَالِمُ مِنهم يَغْضَبُ أَنْ رُدَّ عليه خَطَؤُه، وَالوَاعظُ مُتَصَنَّعٌ بِوَعْظِهِ، والمُتَزَهِّدُ مُنَافِقٌ أَوْ مُرَاءٍ.
فأولُ عُقُوباتِهم إعراضُهم عن الحَقِ شُغْلاً بالخَلقِ، ومن خفيِّ عُقوباتِهم سَلبُ حَلاوةِ المناجاةِ، ولَذةِ التَّعَبُدِ.
إلا رجَالٌ مُؤمنونَ ونساءٌ مؤمنات، يَحفظُ الله بهم الأرضَ، بَواطِنُهم كَظَوارِهِم بل أَحْلى، وسرَائُرهم كَعَلانِيتِهمْ بل أحلى، وهِمَمُهُمْ عند الثُريَا أعلى.
إن عُرفَوا تَنَكَّرُوا، وإن رُئِيُتْ لهم كرامةٌ أنكَرُوا. فالناسُ في غَفَلاتِهم، وهم في قَطْعِ فَلاتِهم تُحِبُّهُم بِقَاعُ الأرضِ، وتَفْرَحُ بِهم أَمْلاكُ السماء. نسأل الله عز وجل التوفيقَ لإتباعهم، وأَن يَجْعَلَنَا مِن أتباعهم.
شِعْرًا خُذْ مِنْ شَبَابِكَ قَبْل الموتِ والهَرَم
(وَبَادِرِ التَّوبَ قَبْلَ الفَوتِ والنَّدَمِ
(واعْلَمْ بأنَكَ مَجْزِيٌّ ومُرْتَهُنٌ
(وَرَاقَب الله واحْذَرْ زلَّةَ القَدمِ
(فَلَيْسَ بَعْدَ حُلُولِ المَوْتِ مَعْتَبةٌ
(إلا الرُّجاءُ وعَفْوُ اللهِ ذِي الكَرَمَ
(
آخر يَقَولُون: أسْبَابُ الحَيَاةِ كَثِيرةٌ
(فَقُلْتُ: وأَسْبَابُ المَنُونِ كَثِيرُ
(وما هَذِهِ الأَيَّامُ إِلا مَصَائِدٌ
(وأَشْرَاكُ مَكْرُوه لَنَا وغُرورُ
(يُسَارُ بِنا فِي كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ
(فكَمْ ذَا إِلى ما لاَ نُريدُ نَسِيرُ
(وما الدَّهرُ إلا فَرْحَةٌ ثُمَّ تَرْحَةٌ
(وما النَّاسُ إلا مُطْلَقٌ وأَسِيرُ
(اللَّهُمَّ ألْهِمْنَا ذِكْرِكَ وشُكْركَ وَوَفِقْنَا لِمَا وَفّقْتَ لَهُ الصّالحين من خَلْقِكَ،
واغْفَرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
(فَصْلٌ): قال أحد العلماء وأما زَمَانَنَا فقد قَيَّدَ الطَّمَعُ أَلْسُنَ العُلماء فَسَكَتُوا إذْ لَمْ تُسَاعِدْ أقْوَالَهُم أفْعَالُهُم ولو صَدُقوا الله لكانَ خيرًا لهم.
فإذا نَظَرْنا إلى فَسَادِ الرَّعِيَّةِ وَجَدْنا سَبَبَهُ فَسَادَ المُلُوكِ.
¥