وَإِذَا نَظرْنَا إِلَى فَسَادِ المُلوكِ وَجَدْنا سَبَبَهُ فسادَ العُلماء والصَّالِحين.
وإِذَا نَظَرْنَا إِلى فَسَادِ العُلماءِ والصَّالِحِينَ وَجَدْنَا سَبَبَهُ ما اسْتَولى عَلَيْهم مِن حُبِّ المالِ والجاهِ وانْتِشَارِ الصِّيْتِ ونَفَاذِ الكَلِمةِ ومُداهَنَةِ المَخْلُوقِين وَفَسَادِ النِّياتِ في الأقْوال والأَعْمالِ.
فإذِا أرَادَ وَاحِدٌ منهم أَنْ يُنْكِرَ على وَاحِدٍ مِن الرَّعِيةِ لم يَسْتَطِعْ ذلك.
وقال وُهَيْبُ بنُ الوَرْدِ: لَو أَنَّ عُلمَاءَنا عَفَا الله عنا وعنهم نَصَحُوا لله في عِبَادِهِ، فَقَالُوا: يَا عِبَادَ الله اسْمَعُوا ما نُخْبركُمْ عن نبيكم ? وصالح سَلَفِكم مِن الزُّهْدِ في الدنيا فاعْمَلُوا بِهِ. ولا تَنْظُروا إِلى أَعْمَالِنَا هَذِهِ الفَسْلَةِ، كانُوا قد نصَحُوا لِلَّهِ في عِبَادِهِ، ولَكّنِهم يَأْبَونَ إلا أَنْ يَجُرُّوا عِبادَ اللهِ إِلى فِتنهِم وما هُم فيه.
وقال بعضُ العُلماء: اعْلَمْ أنَّ لِلْعَالِِمِ العَامِلِ بِعِلْمِهِ حَقِيقَةً عَلاماتَ وَأَمَارَات تُفَرِّقُ بينَه وبَيْنَ عُلماءِ اللِّسَانِ المُخَلِّطِينَ المُتِبعِين لِلْهَوى المَؤثَرين للدنيا على الآخرة.
فَمِن عَلاماتِ العَالِمِ الحَقِيقِي المُمْتَاز أَنْ يَكُونَ مُتَواضِعًا خَائِفًا وَجَلاً مُشْفِقًا مِن خَشَيَةِ اللهِ زَاهِد في الدنيا قَانِعًا باليَسِير مِنها هَمُّهُ وشُغْلُه فِيمَا يُصْلحُ آخِرَتَه.
مُلْتَمِسًا لِلْفُقَراءِ المُتَمَسِّكِينَ بِدينِهِم الخَالِية بُيُوتُهم مِن المَلاهِي والمُنكراتِ الذِين لَيْسَ لَهم مَوَارِد ولا مَسَاكِن لِيُسْعِفَهم بِمَا يَقْدِرُ عَليه مِن مال وَجَاه مُخْلِصًا لِلَّهِ في ذلك لا يُريدُ مِنه جَزَاءً ولا شكورًا.
ناصِحًا لِعبادِ الله شَفيقًا عليهم رَحِيمًا بِهم، آمرًا بالمعروف فاعِلاً لَهُ وناهيًا عن المنكر، ومُجْتَنَبًا لَهُ ومُسارعًا في الخَيرات ملازمًا للعبادات ليلاً ونهارًا، سِرًا وجهارًا وملازمًا لذكر الله وحمده وشكره.
دالاً على الخير داعيًا إلى الهدى، ذَا صَمْتٍ وتَوأدَة وَوَقار وسَكينَةِ محبًا لأهل الطاعة سالكًا طريق أهل السنة والجماعة، حَسَنُ الأخلاق، واسِعَ الصَّدْر، ليِّن الجَانِب، مَخْفُوض الجنَاح للمؤمنين، لا متكبرًا، ولا مُتَجَبرًا، ولا طامعًا في الناس، ولا حريص على الدنيا، ولا مؤثرًا لها على الآخرة.
ولا منهمكًا بجمع المال، ولا مانعًا عن حقه، ولا فظًا ولا غليظًا، ولا مُمَاريًا، ولا مُخاصمًا بالباطل، ولا سَيء الأخلاق، ولا ضَيِّقَ الصدر محبًا لأولياء الله ومبغضًا لأعدائه.
ولا مُدَاهَنًا، ولا مُخَادعًا، ولا غشَّاشًا، ولا مُقَدِّمًا للأغنياء على الفقراء، ولا مُرائِيًا، ولا مُحبًا للْولايات والرياسات.
وبالجملة فيكون مُتَّصفًا بجميع ما يحثُّه عليه الكتاب والسنة مُؤْتَمِرًا بما يأمُرانِهِ به مِن الأخلاقِ المحمودةِ والأعمالِ الصالحةِ.
مُجَانِبًا لما يَنْهى عنه كتابُ الله وسنةُ رسول الله ? مِن الأخلاقِ والأعمالِ المذمومةِ، وهذه صفاتٌ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّصِفَ وَيَتَحَلَّى بها كُلُ مُؤمنٍ، إلا أنَّ العالمَ وطَالبَ العِلم أَوْلَى أن يتصفَ بها ويحافظ عليها ويدعوَا إليها لأنه قدوةٌ يُقْتَدَى به.
ويَنْبَغِي لِلْعَالِمَ أَنْ يَكُونَ حَديثهُ مَعَ العَامَّةِ في حَالِ مُخَالَطَتِهِ لَهمُ في بيان الواجباتِ والمحرماتِ ونوافلَ الطاعاتِ وذكِرِ الثوابِ والعقابِ على الإحسانِ والإِساءَة لِيَصُونَ وقْتَهُ وَوَقْتَهُم عَمَّا لا يَنْفَعُ فيه، ويكونُ كلامهُ بعِبارةٍ يَعْرَفُونَها ويَفْهَمُونَها، ويُبَيِّنُ لهَمُ الأمُورَ التِّي هم مُلابسُونَ لها ولا يَنْبَغِي له أنْ يَسْكُتَ حتى يُسْأَل وهو يَعْلَمُ أَنّهمُ مُحَتاجُونَ إليهِ أَوْ مُضْطَرُّون.
إلَهِي لا تُعَذّبْنِي فَإنِّي
(مُقِرٌّ بالذّي قَدْ كانَ مِنِّي
(وَمَا لِي حِيْلَةٌ إلا رَجَائِي
(وَعَفْوكَ إنْ عَفَوْتَ، وَحُسْنُ ظَني
(فكَمْ مِنْ زَلّةٍ لِي في البَرايَا
(وأَنْتَ عَليّ ذُو فَضْلٍ وَمَنٍّ
(يَظُنُّ النّاسُ بِي خَيْرًا، وإِنِّيْ
(لشَرُّ النّاسِ إنْ لم تَعْفُ عَني
(أُجَنُّ بِزهْرَةِ الدّنْيَا جُنُونًا
(وَأُفِِنْي العُمْرَ فيها بالتَّمَني
(وَبَيْنَ يَدَيَّ مُحْتَبسُ ثَقِيلٌ
(كأنِّي قد دُعِيْتُ لَهُ كَأنِّي
(وَلَوْ أَنِّي صَدَقْتُ الزُّهْدَ فيها
(قَلَبْتُ لأَهْلِهَا ظَهْرَ المِجَنِّ
(اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ نَفْسًا مُطْمَئِنَّةً، تُؤمِنُ بِلقَائِكْ وتَرْضَى بِقَضائِكْ، وتَقْنَعُ بِعَطَائِكْ، يا أرْأفَ الرائفين، وأرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ التوفيق لما تُحِبُّه مِن الأعمال، ونسألُكَ صِدْقَ التوكلِ عليكْ، وحُسْنَ الظَنِّ بِكَ يَا رَبَّ العالمين.
اللَّهُمَّ اجعلنا من عبادك المُخْبِتِين، الغُرِّ المُحَجَّلِين الوَفْدِ المُتَقَبِّلين.
اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ حَيَاةً طَيِّبةً، ونَفْسًا تَقِيَّةً، وعِيْشَةً نَقِيَّةً ومِيْتَةً سَويَّةً، ومَرَدًّا غَيْرَ مُخْزِي ولا فاضح.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أهلِ الصَّلاحِ والنَّجَاحِ والفَلاحِ، ومِن المُؤَيَّدِينَ بِنَصْرِكَ وتَأْييدِكَ ورِضاكَ.
اللَّهُمَّ افْتَحْ لِدُعَائِنا بابَ القَبُولِ والإِجَابةِ واغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ.
وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
¥