ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[22 - 01 - 09, 02:59 م]ـ
فصلٌ في العِلْمِ وفضْلِهِ
العِلْمُ صفةٌ يُمَيَّزُ المُُتَّصِفُ بِهَا تميزًا جَازِمًا، وقيلَ: هو إدراكُ الشيءِ بحَقيقتِهِ، والعلِمُ فضلُهُ أُشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِ مَا اكْتَسَبَهُ الإنسانُ وأَشْرَفُ مُنْتَسِبٍ وأنْفَسُ ذَخيرةٍ تُقْتَنَى وأطلب ثمرةٍ تُجْتَنَى، بِهِ يُتَوَصَّلُ إِلَى الحَقَائِقِ وَإِذَا عَمِلَ بِهِ الإِنْسَانُ على وَفْقِ الشريعةِ أَدْرَكَ رِضَا الخَالِقِ.
و العِلْمُ لاَ يُوصَلُ إِلَى مَعْرِفَةِ فَضْلِهِ وَجَلاَلَةِ قَدْرِهِ إِلا بِالعِلْمِ وَلاَ
يَضِيعُ صَاحِبُ العِلْمُ الدِّينِيّ الصَّحِيحِ الذِّي جَاءَ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَفْتَقِرُ كَاسِبُ الِعْلِم وَلاَ يَخيبُ طَالِبُهُ وَلا تَنْحَطُّ مَرَاتِبُهُ ما دامَ مُطَبِّقًا لِعِلْمِهِ بِالعَمَلِ وَلا يَجْهَلُ شَرَفَ العِلْمِ إِلا الجَاهِلُ لِقُصُورِ فَهْمِهِ عَنْ عَظِيمِ مَنَافِعِهِ وَكَريمَ مَواقِفِهِ، وَحامِلُُهُ الصائنُ له عن الأدْنَاسِ عَزيزٌ عندَ الناسِ إِنْ قَالَ فَكلامُهُ مَرْمُوقٌ بعَينِ التَّقْدِير وَإِنْ أَمَر فأمرُهُ مَسْمُوع.
وَهُوَ وَسِيلَةٌ لِلْفَضائِلِ وهو نُورٌ زَاهِرٌ لِمَنْ اسْتضاءَ بِهِ وَقُوتٌ هَنِيءٌ لِمَنْ تَقوَّتَ بِهِ تَرْتَاحُ بِهِ الأَنْفُسُ إِذْ هُوَ غِذَاءُهَا وَتَفْرَحُ بِهِ الأَفئِدةُ إَذْ هُوَ قُوَاهَا.
شِعْرًا:
أَجَلُّ مَا يُبْتَغَى دَوْمَا وَيُكْتَسَبُ
(وَيُقْتَنَى مِنْ حُلَى الدُّنْيَا وَيُنْتَخَبُ
(عِلْمُ الشَّرِيَعَةِ عِلْمُ النَّفْعِ قَد رُفِعَتْ
(لِمَنْ يُزَاولُهُ بَيْنَ الوَرَى رُتَبُ
(إِنْ عَاشَ عَاشَ سَعِيدًا سَائِدًا أَبَدًا
(لا يُسْتَظَامُ ولا يُشْنَا فَيُجْتَتَبُ
(وَإِنْ يَمُتْ فَثَنَاءٌ سَائِدٌ أَبَدًا
(وَبَعْدَهُ رَحْمَةٌ ترجَى وَتُرْتَقَبُ
(
وَهُوَ يَدُلُّ على الخيرِ، وَعَوْنٌ على المُروءَةِ وَهُوَ الصَّاحِبُ في الغُرْبَةِ والمُؤْنِسُ في الْخَلْوَةِ، والشَّرَفُ في النَسَبِ وَلِلْعِلْمِ آثارٌ جليلةُ القدْرِ كَمْ جَلَّ بِهِ مِنْ حَقيرٍ.
وَكُلَّمَا كَانَ الرَّجُلُ أَعْلَمَ كَانَ جَلِيلاً عِنْدَنَا. مَضَى سَلَفُنَا الصَّالِحُ العَامِلُونَ بِعِلْمِهِمْ الوَرِعُونَ الذين لا تأخُذُهم في اللهِ لَوْمةُ لاَئِمٍ الذَّينَ إِذَا ذُكِرُوا وَمَا قَامُوا بِهِ مِنْ نَصْرِ دِينِ اللهِ والدعوةِ إِلَيْهِ استَنَارْتَ المَجَالِسُ وَأَسْفَرَتْ الوُجُوهُ وَارْتَاحَتْ الأَنْفُسُ وَقَوِيَتْ الْقُلُوبُ وَنَشِطَتْ الأبْدَانُ عَلَى الطَّاعَاتِ والعِبَادَاتِ وَوَدَّ المُسْتَمِعُونَ المُحِبُّونَ لِلدِّينِ وَأَهْلِهِ أَنْ يَزْدادُوا مِنْ أَخْبَارِهِمْ وَسِيَرِهِمْ وَذَلِكَ بِمَا وَهبَهُمُ اللهُ مِنَ الْعِلْمِ الدِّيني وَالتَّمَسُّكِ بِهِ
وَآثارِهِ الجَليلةِ، وَكَانُوا خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيينَ وَكَانُوا أَشْجَعَ الناسِ لأنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الأجَلَ لاَ يُطِيلُهُ الجُبْنُ وَكَانُوا أَغْنَى الْعَالَمِ نُفُوسًا وَأَقْوَاهُمْ تَوَكُّلاً عَلَى اللطِيفِ الخبيرِ لأنَّهُمْ رَضُوا بِقِسْمَةِ مَوْلاَنَا العليمِ الحكيمِ، وَكَانُوا مَحَطَّ رِحَالِ الكَرَمِ والجُودِ لأنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ البُخلَ لاَ يُرْضِي اللهَ، وَكَانُوا في الحِلْمِ كَالجبالِ الرَّاسِياتِ لأنَّهُم عَرَفُوا مَا لِلْحِلْمِ مِنْ مَزَايَا دُنْيَا وَأُخْرَى.
وَكَانُوا يَسْتَقْبِلُونَ الَبلاَيَا بِالصَّبْرِ الجَمِيلِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهَا بِتَقْدِيرٍ وَتَصْرِيفِ الحَكِيمِ الخَبيرِ وَكَانُوا دَائِمًا يَسْتَقْبِلُونَ النِعَمَ بِالشُكِرِ وَالحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ لِجَزْمِهِمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُمْ وَلاَ مِنْ سَائِرِ المَخْلُوقِينَ بَلْ مِنْ الكَرِيمِ الدَّائِمِ الإِحْسَانِ الذِّي عَمَّ إِحسانُهُ الخَلايَقَ كُلَّهُمْ، وَكَانُوا يُحِبُّون الخيرَ لِبَعْضِهِمْ كَمَحَبَّتِهِمْ لأنْفُسِهِمْ عَمَلاً بِقَوْلِ الرسولِ الكريمِ: «لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحبُ لِنَفْسِهِ» وَلِعِلْمِهِمْ أَنَّ كَرَاهَتَهُمْ لاَ تُحْدِثُ أيَّ
¥