أقول جعل الفرجين عضوا من أعضاء الوضوء لم يثبت عن عالم من علماء الإسلام قط لا من الصحابة ولا من التابعين ولا من تابعيهم ولا من أهل المذاهب الأربعة ولا من الأئمة من أهل البيت
وذكر المصنف له في كتابه هذا قد تبع فيه من تقدمه من المصنفين في الفروع من أهل هذه الديار وكلهم يجعل ذلك مذهبا للهادي وهو أجل قدرا من أن يقول به وليس في كتبه حرف من ذلك قط
ولا أظن هذه المقالة إلا صادرة من بعض الموسوسين في الطهارة وأهل العلم بأسرهم بريئون
ص76
عنها كما أن الشريعة المطهرة بريئة عنها وليس في الكتاب ولا في السنة حرف يدل على ذلك لا بمطابقة ولا تضمن ولا التزام ومن استدل لهما بما ورد في الاستنجاء بالماء فهو لا يدري كيف الاستدلال فإن النزاع ليس هو في رفع النجاسة من الفرجين بل في غسلهما للوضوء بعد زالة النجاسة كما ذكره المصنف هنا وذكره غيره
وقد قدمنا لك أن الاستجمار بالأحجار يكفي كما دلت عليه الأدلة ودين الله غير محتاج إلى أن يبلغ شكوك أهل الشكوك في الطهارة إلى إثبات عضو زائد للوضوء الذي شرعه الله
وقد كان شكهم مرتفعا بما جزموا به من إيجاب رفع نجاستيهما بالماء وعدم الاكتفاء بالأحجار فما بالهم لم يقنعوا بذلك بل أوجبوا غسلا آخر بعد رفع النجاسة وجعلوا هذا الغسل فرضا على عباد الله وجزموا بأن الفرجين عضوين من أعضاء الوضوء وأن من ترك غسلهما للوضوء بعد غسل النجاسة فهو كمن ترك غسل أحد أعضاء الوضوء المذكورة في القرآن فيا لله العجب
قوله والتسمية حيث ذكرت وإن قلت أو تقدمت بيسير
أقول حديث لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه وقد روي من طرق عن جماعة من الصحابة أبي هريرة وأبي سعيد وسعيد بن زيد وعائشة وسهل بن سعد وأبي عبيدة وأم سبرة وكذلك روي من طريق علي وأنس وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها
قال ابو بكر بن أبي شيبة ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله وقال ابن كثير في الأرشاد طرقه يشد بعضها بعضا فهو حديث حسن أو صحيح
77
وقال ابن حجر الظاهر أن مجموع الأحاديث تحدث منها قوة فتدل على أن له أصلا وهذه الصيغة أعني قوله لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه إن كان النفي فيها متوجها إلى الذات كما هو الحقيقة دل ذلك على انتفاء الوضوء بانتفاء التسمية والمراد انتفاء الذات الشرعية
وإن كان متوجها إلى الصحة كما هو المجاز الأقرب إلى الحقيقة لأن نفي الصحة يستلزم نفي الذات دل على عدم صحة وضوء من لم يسم
وإن كان متوجها إلى الكمال الذي هو أبعد المجازين من الحقيقة لأنه لا يدل على نفي الذات ولا على نفي صحتها دل ذلك على صحة الوضوء لكن لا على جهة الكمال
فالواجب الحمل على المعنى الحقيقي فإن قامت قرينة تصرف عنه وجب الحمل على المجاز القريب من الذات وهو الصحة فإن وجدت قرينة تدل على الصحة كان النفي متوجها إلى الكمال
فاعرف هذا واستعمله فيما يرد عليك تنتفع به
وقد جعل صاحب ضوء النهار هذا النفي متوجها إلى الكمال قال قالوا حديث من ذكر الله أول وضوئه طهر جسده كله ومن لم يذكره لم يطهر منه إلا مواضع الوضوء أخرجه رزين من حديث أبي هريرة انتهى
ولا يخفاك أن هذه النسبة في التخريج إلى رزين ليست كما ينبغي فرزين رجل اراد
78
أن يجمع بين الأمهات الست في مصنف مستقل ثم وجدت في مصنفه أحاديث لم يكن لها في الأمهات أصل ولا وجدت في شيء منها ثم تصدى للجمع بين الأمهات ابن الأثير في كتابه الذي سماه جامع الأصول وذكر تلك الأحاديث التي زادها رزين معزوة إليه فأجاد وافاد
2 فما هو معزو إليه فالمراد أنه ليس في الأمهات التي تعرض رزين للجمع بينها وقد قدح فيه بعض أهل العلم ولعمري إن ذلك قادح فادح وهو وإن كان من علماء الإسلام ولكنه فعل ما لا يفعله الثقات
إذا عرفت هذا فاعلم أن عزو الجلال للحديث إليه لا طائل تحته فليس رزين ممن يخرج الأحاديث وفي الأحاديث التي زادها تهمة ظاهرة فليس فيما ينقل عنه وينسب إليه حجة أصلا
فإن قلت فهل أخرج هذا الحديث الذي عزاه إلى رزين أحد من المخرجين للأحاديث قلت أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة وفي إسناده ضعيفان مرداس بن محمد ومحمد بن ابان وأخرجه الدارقطني والبيهقي ايضا من حديث ابن مسعود وفي إسناده يحيى بن هاشم السمسار وهو متروك وأخرجاه ايضا من حديث ابن عمر وفيه ابو بكر الداهري وهو متروك
¥