(أأشْقَي بِهِ غَرْسًا وأَجْنِيهِ ذِلَّةً
(إِذًا فاتّباعُ الْجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا
(اللَّهُمَّ تَوَفَّنَي مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[22 - 01 - 09, 03:09 م]ـ
فَصْلٌ): ثُم اعْلم أَنَّ مَنْ لَمْ يَصُنْ نَفسَهُ بوِقَايِتَهَا عنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَمُخِلِّ الْمُرُؤاتِ لَمْ يَنْفَعْهُ عَلمُهُ؛ لأَنَّ الْعِلْمَ للعَملِ فَكَما لا ينفعُ السلاحُ للمجاهِدِ مَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ، ولا الكتُبُ النَّافِعَةُ الْمُستَمَدَّةُ من الكِتَابِ ما لَمْ يُطَالعها وَيَتَعَلَّمْ مِنها، ولا الأطْعمَةُ النَّفِيسَةُ الْمُدَّخَرَةُ لِلْجائِعِ مَا لَمْ يَأْكلْ مِنْهَا، فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ. وَقَديمًا قيلَ:
يُحَاوِلُ نَيْلُ الْمَجْدِ والسَّيف مُغْمَدٌ
(وَيَأمَل إِدْرَاكُ العُلَى وَهُوَ نَائِمُ
(آخر:
إِذَا كُنْتَ تَهْوَى أَنْ تَعِيشَ بِذِلَّةٍ
(فَلا تَسْتَعِدّنَّ الْحُسَامَ الْيَمَانِيَا
(ولا تَسْتَطِيلَنَّ الرِّمَاحَ لِغَارِةٍ
(وَلا تَسْتَجِيدَنَّ الْعِتَاقَ الْمَذَاكِيَا
(فصِيانةُ النفسِ أصْلُ الفضائِلِ لأنَّ مَنْ أَهْمَلَ نَفْسَهُ ثِقَةٌ بِما مَنَحَهُ اللهُ مِنْ فَضيلةِ عِلْمِهِ وَتَوَكّلاً على ما يلزَمُ الناسَ مِنْ صِيانَتِهِ سَلَبُوهُ فضيلةَ عِلمِهِ وَوَسَمُوهُ بقبيحِ تَبَذُّلِهِ فلم يَفِ ما أُعْطِي مِنَ العِلْمَ بما سَلَبَهُ منُه التبذّل لأنّ القبيحَ أشْيَعُ منَ الْجَمِيلِ والرذيلةُ مَشْهُورَةٌ تُنقَلُ وتُذَاع بسُرْعَةٍ لِمَا في طِباعِ الناس مِن الحسدِ والبُغْضِ والحِقدِ ونِزاعِ المنافَسَةِ فَتَنْصَرِفُ عُيونُهُمْ عن المحاسِنِ إلى المَسَاوِي فلا يُنْصِفُونَ مُحْسِنًا ولا يجاملون ولا يُسامحونَ مُسيئًا يَذكُرون المَسَاوِي كُلَّها غالِبًا لاسِيَّما إذا كان المَرْموقُ عالمًا فإنّ زَلّتَهُ عِندَهُم لا تُقَالَ وَهَفْوَتَهُ لا تُعْذَرُ لأنَّ العيْبَ الصغيرَ يَعْظُمُ في حَقِّ أَهْلِ المُرْوَآت والعَيْبَ في الجاهلِ المغمورِ مَغْمورٌ ولهذا يَنْبَغِي للعالِمِ أنْ يُحْسِنَ أخلاقَهُ وَخَلُقَهُ لِيُقْتَدَى بِهِ وَيَسْلَمَ عِرضُهُ مِن الطعنِ والاعتراضاتِ.
قَالَ بعض العلماء:
أَيُّهَا الْعَالِمُ إِيَّاكَ إيَّاكَ الزَّلَلْ
(وَاحْذَرْ الْهَفْوَةَ والْخَطْبَ الْجَلَلْ
(هَفْوَةُ العَالِم مُسْتَعْظَمَةْ
(إِذْ بِهَا أَصْبَحَ في الْخَلْقِ مَثَلْ
(وَعَلَى زَلَّتِهِ عُمْدَتُهُمْ
(فَبِهَا يَحْتَجُّ مَنْ أَخْطَأ وزَلْ
(لا تَقُلْ يَسْترْ عَليَّ الْعِلْمُ زَلَّتِي
(بَلْ بِها يَحْصُل في العِلْمَ الخلَلْ
(إِنْ تَكُنْ عِنْدَكَ مُسْتَحْقَرَةْ
(فَهِيَ عِنْدَ اللهِ والنَّاسِ جَبَلْ
(لَيْسَ مَنْ يَتْبَعُهُ الْعَالمُ في
(كُلِّ مَا دَقَّ مِن الأَمْرِ وَجَلْ
(مِثْلُ مَنْ يَدْفعُ عَنْهُ جَهْلُهُ
(إِنْ أَتَى فَاحِشَةً قِيلَ قَدْ جَهِلْ
(انْظُرِ الأَنْجُمَ مَهْمَا سَقَطَتْ
(مَنْ رَآهَا وَهِي تَهْوي لَمْ يُبَلْ
(
فإذا الشمسُ بَدَتْ كَاسِفَةً
(وَجَلَّ الْخَلْقُ لَهَا كُلَّ الوَجَلْ
(وَتَرَاءَتْ نَحْوَهَا أَبْصَارُهُمْ
(في انْزعَاجِ واضْطِرَابٍ وَوَجَلْ
(وَسَرى النَّقْصُ لَهُمْ مِنْ نَقْصِهَا
(فَغَدَتْ مُظْلِمَةً مِنْهَا السُّبُل
(وَكَذَا العَالِمُ في زَلَّتِهْ
(يَفْتِنُ العَالَمَ طَرًا ويُضِلْ
(
آخر: أَرَى الْعِلْمَ كالْمِرَآةِ يَصْدَأُ وَجْهُهُ
(وَلَيْسَ سِوى حُسْن الْخَلاق مِنْ جَالِي
(وَلَوْ وَازَنَ الْعِلْمَ الْجِبَالَ ولم يَكُنْ
(
(لَهُ حُسْنُ خُلْقٍ لَمْ يَزِنْ وزْنَ مِثْقَالِ
(
وَإِنَّ الْمَسَاوِي زِهْيَ في خُلقِ عَالِمٍ
(
(لأقْبَحُ مِنْهَا وِهْيَ فِي خُلْق جُهَّالِ
(آخر:
وَالعِلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ
(تُعليهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخفاقِ
(لا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ
(ما لَم يُتَوَّج رَبُّهُ بِخَلاقِ
¥