وقال ابنُ القيم رحمه اللهُ: والقلوبُ ثلاثةٌ: قَلبٌ خالٍ مِن الإِيمانِ وجَمِيعِ الخَيرِ، فذلِكَ قَلبٌ مُظلمٌ قد اسْتَرَاحَ الشَّيطانُ مِن إلقاءِ الوَسَاوِسَ إِليه لأنه قد اتَّخذهُ بَيْتًا وَوَطَنًا، وَتَحَكَّمَ فِيهِ بِمَا يُرِيدُ وَتَمَكَّنَ مِنْهُ غَايَةَ التَّمَكُّنِ، القَلْبُ الثَّانِي: قَلبٌ قد استَنَارَ بِنُورِ الإيمان وأُوقَد فيه مِصبَاحُه لكن عليه ظُلْمَةُ الشَّهَوَاتِ وَعَوَاصِفُ الأَهْوِيةِ فلِلشَّيْطَانِ هُنَاكَ إقْبَالٌ وإِدْبارُ ومَجَالاتٌ وَمَطَالِعُ فالحَرْبُ دُوَلٌ وَسِجَال، وَتَخْتَلِفُ أَحْوالُ هذا الصّنفِ بالْقِلَّةِ والكَثْرَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أوقاتُ غَلَبَتِهِ لِعَدُوّهِ أَكْثَرُ، وَمِنْهُم مَنْ أوقاتُ غَلَبَةِ عَدوّهِ أكْثرُ، ومِنهم مَنْ هو تَارةً وتَارة.
القلبُ الثّالثُ: قَلبٌ مَحْشوٌ بالإِيمانِ قَد اسْتَنَارَ بِنُورِ الإِيمانِ وانْقَشَعَتْ عَنه حُجُبُ الشّهواتِ وأقْلَعَتْ عنه الظُّلُمَاتُ فَلِنُوِرِه في صَدْرِهِ إِشْرَاقٌ ولِذَلِكَ الإِشْراقُ إيقَادٌ لَوْ دَنَا منه الوسْوَاسُ احْترقَ بِهِ فَهُوَ كالسّماءِ
الّتي حُرسَتْ بالنّجوم فَلوْ دَنَا مِنْهَا الشّيطانُ يَتخطّاها رُجِمَ فَاحْترق.
وَلَيْستِ السّماءُ بأَعظَمَ حُرْمةٍ من المؤْمن وحِراسَةُ الله تعالى لَهُ أَتمُّ منْ حراسَةِ السّماء، والسّماءُ مُتَعبّدُ الملائكةِ وَمُسْتَقَرُّ الوحي، وفيها أَنْوارُ الطَّاعاتِ وَقَلْبُ المؤْمنِ مُسْتَقر التّوحِيدِ والمحبّةِ والمعْرِفةِ والإِيمانِ، وفَيهِ أنْوارُهَا فهوَ حَقيقٌ أَنْ يُحرَسَ وَيُحفَظَ مِن كَيْدِ العدوِّ فَلا يَنَالُ مِنْهُ إِلا خَطْفةً تَحْصلُ له على غِرّةٍ وَغَفْلةٍ مِنْ العَبْدِ إذْ هُو بَشَرٌ وَأَحْكَامُ الْبَشَرِيّةِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ مِن الغَفلةِ والسّهو والذّهُول وَغَلبةِ الطَبع. انتهى.
هذه قصيدة لِبَعْضِهم فيها غُلُوٌ صَلّحْنَا مَا فِيهَا مِن الغَلَطِ الاعْتِقَادِيْ وَجَعَلْنَا على ما فيه تَصْلِيح أَقْوَاسًا:
تَيَقَّضْ لِنَفْسٍ عَنْ هُدَاهَا تَوَّلْتِ
(وَبَادِرْ فَفِي التَّأْخِيرِ أَعْظَمُ خَشْيَةِ
(فَحَتَّامَ لا تَلْوى لِرُشْدٍ عِنَائَها
(وَقَدْ بَلَغَتْ مِنْ غَيِّهَا كُلَّ بُغَيَةِ
(وَأَمَّارَةٌ بالسُّوءِ لَوَّامَةُ لِمَنْ
(نَهَاهَا فَلَيْسَتْ لِلْهُدَى مُطْمَئِنَّةِ
(إِذَا أَزْمَعَتْ أَمْرًا فَلَيْسَ يَرُدُّهَا
(عَنِ الفِعْلِ إِخَوَانُ التُّقَى وَالْمَبَّرةِ
(وَإِنْ مَرَّ فَعْلَ الخَيْرِ في بَالِهَا أَنْثَنَى
(أَبُو مُرَّةٍ يَثْنِيهِ في كُلِّ مَرَّةِ
(وَلِي قَدَمٌ لَوْ قُدِّمَتْ لِظُلامَةٍ
(لَطَارَتْ وَلَوْ أَنِّي دُعِيتُ لِقُرْبَةِ
(لَكُنْتُ كِذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٌ صَحِيحَةُ
(وَرِجْلٌ رَمََى فِيهَا الزَّمَانُ فَشُلَّتِ
(وَقَائِلَةً لَمَّا رَأَتْ مَا أَصَابَنِي
(وَمَا أَنَا فِيهِ مِنْ لَهِيبٍ وَزَفْرَتِي
(رُوَيْدَكَ لا تَقْنَطْ وَإِنْ كَثُرَ الخَطَا
(وَلا تَيْأَسَنْ مِنْ نَيْلِ رَوْحٍ وَرَحْمَةِ
(مَعَ العُسْرِ يُسْرٌ وَالتَّصَبُّرُ نُصْرَةٌ
(ولا فَرَجٌ إلا بِشِدَّةِ أَزْمَةِ
((وَكَمْ عَامِلِ أَعْمَالَ أَهْلَ جَهَنَّمٍ
(فَلَمَّا دَعَى المَوْلَى أُعِيدَ لِجَنَّةِ)
(فَقُلْتُ لَهَا جُوزِيتِ خَيْرًا عَلَى الذِّي
(مَنَحْتِ مِنَ البُشْرَى وَحُسْنِ النَّصِيحَةِ
(فَهَلْ مِنْ سَبِيلٍ لِلنَّجَاةِ مِنَ الرَّدَى
(وَمَا حِيلَتِي في أَنْ تُفَرَّجَ كُرْبَتِي
((فَقَالَتْ فَطِبْ نَفْسًا وَقُمْ مُتَوَجِّهًا
(لِرَبَّكَ تَسْلَمْ مِنْ بَوَارٍ وخَيْبَةِ)
(
(فَكَمْ آيِسٍ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ فَالْتَجَا
(إِليْهِ فَحُطَّتْ عَنْهُ كُلُّ خَطِيئَةِ)
((فَدَيْتُكَ فَاَقْصِدْهُ بِذُلٍّ فَإِنَّهُ
(يُقِيلَ بَنِي الزَّلاتِ مِنْ كُلِّ عَثْرِةِ)
((إِذَا مَا أَتَوهُ تَائِبِينَ مِن الذِّي
(جَنَوْهُ مِنَ الآثامِ تَوْبَةَ مُخْبِتِ)
(وَصِلِّ إِلهِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
(عَلَى أَحْمَدِ المُخْتَارِ أَزْكَى البَرِيَّةِ
¥