فَمَنْ أَبْطَلَ شَيْئًا مِن ذَلكَ أَوْ جَحَدَهُ وأَنْكَرَ حَقِيقَتَهُ فَقَدْ قَدَحَ فِي مُلْكِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى وَنَفى عَنْهُ كَمَا لَهُ وَتَمَامَهُ.
وكذلكَ مَنْ أَنْكَرَ عُمُومَ قَضَائِه وَقَدَرِهِ فَقَدْ أَنْكَرَ عُمُومَ مُلْكِهِ وَكَمَالِهِ فَيَشْهَدُ الْمُصَلِّي مَجْدَ الربِ تَعاَلَى فِي قَولِهِ: ? مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ? فإذا قال: ? إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ? فَفِيهَا سِرُّ الْخَلْقِ والأَمْرِ والدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَهِيَ مُتَضَمِّنَةُ لأَجَلِّ الْغَايَاتِ وأفضلِ الْوَسَائِلِ.
فأَجَلُّ الْغَايَاتِ عُبُودِيتُهُ وَأَفْضَلُ الْوَسَائِلَ إِعَانَتُهُ فَلا مَعْبُودَ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ إِلا هُوَ ولا مُعِينَ على عِبَادَتِهِ غَيرُهُ فَعِبَادَتُهُ أَعْلَى الْغَايَاتِ وإِعَانَتُهُ أَجَلُّ الْوَسَائِلِ وَقَدْ أَنْزَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى مائة كِتَابٍ وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ جَمَعَ مَعَانِيهَا فِي أَرْبَعَةِ. وَهِيَ: التَّوْرَاةُ، والإِنْجِيلُ، والْقُرْآنُ، والزَّبُورُ. وَجَمَعَ مَعَانِيهَا فِي الْقُرْآنِ وَجَمَعَ مَعَانِيهِ فِي الْمُفَصَّلِ وَجَمَعَ مَعَانِيهِ فِي الْفَاتِحَةِ وَجَمَعَ مَعَانِيهَا فِي إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
وقد اشْتَمَلَتْ هذِهِ الْكَلِمَةُ على نَوْعَيْ التَّوْحِيد وَهُمَا تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ وَتَوْحِيدُ الأُلُوهِيَّةِ وَتَضَمَّنَتْ التَّعَبُدَ باسْمِ الربِ واسمِ اللهِ فَهوَ يُعْبَدُ بالأُلُوهِيَّةِ وَيُسْتَعَانُ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَيَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ بِرَحْمَتِهِ فكانَ أوَّلُ السُّورَةِ ذِكْرُ اسْمِ اللهِ والربِّ والرحمنِ تَطَابَقًا لأَجْلِ الْمَطَالِبِ مِن عِبَادِتِهِ وَإِعَانَتِهِ وَهِدَايَتِهِ وَهو الْمُنْفَرِدُ بإعْطَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ لا يُعِينُ عَلى عِبَادَتِهِ سِوَاهُ وَلا يَهْدِي، سِوَاهُ ثُمَّ يَشْهَدُ الدَّاعِي بَقَوْلِهِ: ? اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ? شِدّةَ فَاقَتِهِ وَضَرُورَتِهِ إِلى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التي لَيْسَ هُو إلى شيءٍ أَشَدَّ فاقةً وَحَاجَةً مَنْهُ إِليهَا الْبَتَةَ فإنَّه مُحْتَاجٌ إِليه في كُلِ نَفَسٍ وَطَرفَةِ عَيْنٍ وَهَذَا الْمَطْلُوبُ مِن
الدُّعَاءِ لا يَتِمُ إلا بالهِدَايَةِ إلى الطَّرِيقِ المُوصِلُ إِليْهِ سُبْحانَهُ والْهِدَايَةِ فيهِ أيْ هِدَايَةِ التَّفْصِيلِ وَخَلْقِ الْقُدْرَةِ على الْفِعْلِ وَإِرَادَتِهِ وَتَكْوِينِهِ وَتِوْفِيقِهِ لإِيقَاعِهِ عَلى الْوَجْهِ الْمَرْضِي الْمَحْبُوبِ للرَّبِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحِفْظِهِ عَليهِ مِنْ مُفْسِدَاتِهِ حَالَ فِعْلِهِ وَبَعْدَ فِعْلِهِ.
وَلَمَّا كاَنَ الْعَبْدُ مُفْتَقِرًا فِي كُلّ حَالٍ إِلى هَذِهِ الْهِدَايَةِ فِي جَمِيعِ مَا يأْتِيهِ وَيَذَرُهُ مِنْ أُمُورٍ قَدْ أَتَاهَا عَلى غَيرِ الْهِدَايَةِ فَهو يَحْتَاجُ إِلى التَّوْبَةِ مِنْهَا.
وأُمُورٍ هُدى إِلى أَصْلِهَا دُونَ تَفْصِيلِهَا أَوْ هُدِيَ إِليهَا مِن وَجْهِ دُونَ وَجْهٍ فَهُوَ يَحْتَاجُ إِلى تَمَامِ الْهِدَايَةِ فِيهَا لِيَزْدَادَ هُدَى.
وأُمُورٍ يَحْتَاجُ إِلى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِن الْهِدَايَةِ فِيهَا بالْمُسْتَقْبَلِ مِثلَ مَا حَصَلَ لَهُ فِي الْمَاضِي.
وَأُمُورٍ هُوَ خَالٍ عَنْ اعْتِقَادٍ فِيهَا فَهُوَ يَحْتَاجُ إلى الهِدَايَةِ فِيهَا.
وَأُمُورٍ لَمْ يَفْعَلْهَا فَهُوَ يَحْتَاجُ إِلى فِعْلِهَا عَلَى وَجْهِ الْهِدَايَةِ.
وأُمُورٍ قَدْ هُدِي إِلى الاِعْتِقَادِ الْحَقِّ والْعَمَلِ والصَّوابِ فِيهَا فهو مُحْتَاجُ إِلى الثَّبَاتِ عَلَيْهَا إِلى غَيْرِ ذَلكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِدَايَةِ.
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[22 - 01 - 09, 03:13 م]ـ
¥