وَأنسٌ هُوَ الْقائلُ هذَا، وهُوَ الْقَائلُ: مَا صليتُ وراءَ إمامٍ أَخفَّ صلاةً ولا أَتمَّ صلاةً مِنْ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحديثُه لا يُكَذِّبُ بعضُه بَعْضًا.
وَمِمَّا يُبَينُ مَا ذَكَرنَاهُ مَا رَواهُ أبو دَاودَ في سُننِه من حَديثِ حَمَّادِ بن سَلمةَ أَخبرَنا ثابتُ وَحُميدُ عَنْ أَنسِ بن مالكٍ قَالَ: ما صَلْيتُ خَلفَ رجلٍ أَوجَز صَلاةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَامٍ.
وَكَانَ رَسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». قامَ حتى نقولَ قَدْ أَوْهِمَ فَجَمَعَ أنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في هَذا
الْحَديثِ الصَّحِيح بَيْن الأخبارِ بإِيجَازِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ وإِتْمَامِهَا وَبَيَّنَ فِيهِ أَن مِنْ إِتْمَامِهَا الذِّي أَخْبَرَ بِهِ إِطَالَةُ الاعتدَالينِ حَتَّى يَظُنُّ الظانُّ أَنَّهُ قَدْ أَوْهَمَ أَوْ نَسِيَ مِنْ شِدَّةِ الطُّولِ.
وَفِي الصَّحِيحَينِ عَنْ الْبَراءِ بن عازبٍ قَالَ: رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعْ مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُ قِيامَه فَرَكْعتَه فاعْتِدَالِهِ بَعدَ الركوعِ فسجدَتَه فجلسَتَه بين السَّجْدَتِينِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التسليمِ والانْصِرَافِ قريبًا مِن السَّواءِ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إِذَا عَرِقَ الْجَبينُ وكَثُرَ الأنينُ وأَيِسَ مِنَّا الْقَريبُ والطبيبُ وَبكى عَلَيْنَا الصديقُ والحبيبُ وَارحَمْنَا يَا مَولانَا إِذَا وَارانَا التُّرابُ وَوَدَّعَنَا الأحْبَابُ وَفَارَقْنَا النَّعِيمَ وانقطَع عَنَّا النَّسِيم، وَاغْفِرْ لَنَا ولِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا قَبْلَ أَنْ تَشهْدَ عَلَيْنَا الْجَوَارِحَ وَنَبِّهْنَا مِنْ رَقَدَاتِ الغفلاتِ وَسَامِحْنَا فَأَنْتَ الْحَلِيمُ الْمُسَامِحُ وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعْنَا فَمِنْكَ الْفَضْلُ والْمَنَائِحُ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ الأحْيَاءِ منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
(فَصْلٌ): وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ بَعْدَ أن ذَكرَ الْمُسْرعينَ فيها الذينَ يَمُرُّونَ فِيهَا مَرَّ السهمِ: وهَذَا كُله تلاعبٌ بالصَّلاةِ، وَتَعْطِيلٌ لهَا وخِدَاعٌ مِنْ الشيطانِ وخلافٌ لأمِر اللهِ ورسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ قالَ تعالى: ? أَقِيمُواْ الصَّلاةَ ? فَأَمَرَنَا بإقامَتِهَا وَهُوَ الإِتْيَانُ بِهَا قائِمَةً تَامةَ القيامِ والركوعِ والسُّجودِ والأذكَارِ.
وَقَدْ عَلَّقَ سُبحانَهُ الْفَلاحَ بَخُشُوعِ الْمُصَلِّي فِي صَلاتِه فَمَنْ فَاتَهُ خُشُوعُ الصَّلاةِ لَمْ يَكُنْ من أهلِ الْفَلاحِ وَيَسْتَحِيلُ حُصُولُ الْخُشوعِ مَعَ الْعَجَلَةِ والنَّقْرِ قَطْعًا بل لا يَحْصُلُ الْخُشُوعُ إلا مَعَ الطُّمَأنينةِ وَكُلَّما زادَتْ الطمأنينةُ ازدَاد خُشُوعًا وَكُلمَا قلَّ خُشوعُه اشتدَتْ عَجَلَتُه حَتَّى تَصيْرَ حَرَكةُ
يديهِ بِمَنْزِلَةِ العَبَث الذي لا يَصْحَبُه خُشوعٌ ولا إقبالٌ على العُبُوديةِ، ولا معرفةُ حَقِيقةِ العبوديةِ.
واللهُ سُبْحَانَه قَد قَالَ: ? أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ?، وَقَالَ: ? الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ?، وَقَالَ: ? وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ ?، وقالَ إبراهيمُ عليهِ السلامُ: ? رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ ?، وقَالَ لِمُوسَى: ? فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ? فلنَ تُكادُ تَجدُ ذِكْر الصلاةِ في مَوْضُوعٍ مِنْ التَّنْزِيلِ إلا مقرونًا بإقامَتِهَا.
فَالمُصَلُّونَ في الناس قَليلٌ ومُقيمُ الصلاةِ مِنهُم أقلُّ القليلِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الحاجُّ قليلٌ والرَّاكِبُ كَثيرٌ، فالعَامِلونَ يعملونَ الأعمال المأمُورِ بِهَا على التَّرويجِ تَحِلَّهَ القَسَمِ وَيقولونَ: يَكْفينا أدنَى ما يقعُ عليه الأَسمُ ولَيْتَنَا نأتي به.
¥