تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[22 - 01 - 09, 03:22 م]ـ

وَقَدْ اشْتَمَلَ الحَدِيثَانِ الأَخِيرَانِ عَلَى جُمَلٍ جَامِعَةٍ نَافِعَةٍ:

الأولى: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ». فَفِيهَا الحَثُّ عَلَى مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ عَلَى انْصِرَافِهَا عَنْ التَّعَلَقُّ بَالْمَخْلُوقِينَ، وَذَلِكَ بِالاسْتِعْفَافِ عَمَّا فِي أَيْدِيهِمْ، فَلا يَطْلُبُ مِنْهُم شَيْئًا لا بِلِسَانِ الحَال ولا بِلِسَانِ الْمَقَالِ بَلْ يَكُونُ مُعْتمدًا على الله وحْدَهُ.

شِعْرًا: أَحْسنْ الظَّنَّ بَربّ عَوَّدك

(حَسَنًا أَمْسَى وَسوَّى أَوَدَكْ

(إنَّ رَبًا يَكْفِيكَ الذي

(كَانَ بالأمْسِ سَيَكْفِيكَ غَدَكْ

(

آخر: إِذَا مَا شِئْتَ طِيبَ العَيْشٍ فَانْظُرْ

(إِلى مَنْ بَاتَ أَسْوَأُ مِنْكَ حَالا

(وَاَخْفَضَ رُتْبَةً وَأَقَلَّ قَدْرًا

(وَأَنْكَدَ عَيْشَةً وَأَقَلَّ مَالاً

(آخر:

لا تَسْأَلَنَّ إلى صَدِيق حَاجَةً

(فَيَحُولُ عَنْكَ كَمَا الزَّمَانُ يَحُولُ

(وَاسْتَعْن بالشيءِ القلِيلِ فَإنَّهُ

(مَا صَانَ عِرْضُكَ لا يُقَالَ قَلِيلُ

(مَنْ عَفَّ خَفَّ عَلَى الصَّدِيقِ لِقَاؤهُ

(وَأَخُو الحَوائجِ وَجْهُهُ مَمْلُولُ

(وَأَخُوكَ مَنْ وَفَّرْتَ مَا في كَفِهِ

(وَمَتَى عَلِقْتَ بِهِ فَأَنْتَ ثَقِيلُ

(

آخر: نَصَحْتُكَ لا تَأتِي لِمَخْلُوقٍ سَائِلاً

(وَتَتْرُكُ بَابَ الله ذي الفَضْلِ جَانِبًا

(

وَفي الجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ: وَهِي قَوْلُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ

يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ». الحَثُّ عَلَى الاسْتِغْنَاءِ باللهِ والثِّقَةِ بِهِ وَالاعْتِمَادِ عَلَيْهِ فِي الدَّقِيقِ والجَلِيلِ.

وَالثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرُهُ اللهُ». فَفِيهَا أَيْضًا الحَثُّ عَلَى مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ الذي هُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى مَا تَكْرَهُ تَقَرُّبًا إلى اللهِ لأنَّهُ يَحْتَاجُ إلى الصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ حَتَّى يُؤَدِّيهَا وَعَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ حَتَّى يَتْرُكَهَا للهِ وَإلى الصَّبْرِ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ الْمُؤْلِمةِ فَلا يَتَسَخَّطْ.

وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الغِنَى عَنْ كِثْرَةِ العْرَضِ ... ». إلخ بَيَانٌ أَنَّ الغِنَى لَيْسَ بِسَعَةِ الثَّرْوَةِ وَوَفْرَةِ الْمَالِ وَكثْرَةِ الْمَتَاعِ، وَلَكِنْ الغِنَى غَنَى النَّفْسِ، فَمَنِ اسْتَغْنَى بِمَا فِي يَدِه عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَلَمْ تَشْرُفْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ وَلَمْ تَتَطَلَّعْ إِلَيْهِ فَهُوَ الْغِنيُّ الجَدِيرُ بِلَقَبِ الغَنِيّ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ مُقِلاً، إِذْ رَضَاهُ بِمَا قَسَمَ اللهُ وَعِفَّتُهُ وَزُهْدهُ وَقَنَاعَتُهُ جَعَلَتْهُ فِي دَرَجَةٍ مِنْ الغِنَى دُونَهَا بِطَبَقَاتِ أَهْلِ الثَّرَاءِ الذينَ حُرمُوا الزَّهَادَةَ وَالقَنَاعَةَ وَالرِّضَا بِمَا كَتَبَ اللهُ لَهُمْ، الذِينَ تَذْهَبُ أَنْفُسُهُمْ حَسْرَةً إِذَا فَأتَتْهُم صَفَقَةٌ أَوْ ضَاعَتْ عَلَيْهِمْ فُرْصَةٌ. بَلْ مَا جَاءَهُ رِضَيَ بِهِ وَقَنِعَ بِخَلافِ مِنْ كَثُرَ مَالُهُ وَتَشَعَّبَتُ أَمْلاكُهُ وَصَارَ قَلْبُهُ مُوَزِّعًا بَيْنَ ضَيْعَتِهِ وَعِمَارَاتِهِ وَذَهبِهِ وَفِضَّتِهِ وَأَوْرَاقِهِ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ هَمَّ إِلا جَمْع الْمَالِ فَهُوَ مَعْشُوقُهُ يَحْرِصُ عَلَيْهِ أَشدَّ الحِرْصِ، واسمع إلى من يصرف المُبالغة في المدح إلى المخلوق وينسى الخالق:

مَنْ زَارَ بَابَكَ لَمْ تَبْرحْ جَوَارِحُهُ

(تَرْوي أَحَادِيث ما أَوْلَيْتَ مِنْ منَنَ

(فَالْقَلْبُ عَنْ جَابْرٍ وَالكَفُ عَنْ صِلَةٍ

(وَالْعَيْنُ عَنْ قُرَّةٍ والسَّمْعُ عَن حَسَنِ

(آخر:

وَمَا فِي الأَرْضِ أَشْقَى مِنْ جَهَولٍ

(عَصَى رَبَّ العِبَادِ مَدَى الحَيَاةِ

(يُضَيّعُ عُمْرهُ في جَمْع مَالٍ

(مَخَافَةَ فَقْرِهِ أو لِلتَّبَاهِي

(

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير