وَمِنْ فَوَائِدِ الصِّيَامِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يُنَقِّي الجِسْمَ مِنْ الفَضَلاتِ الرَّدِيئَةِ وَرُطُوبَاتِ الأَمْعَاءِ، وَيَشْفِي كَثِيرًا مِنْ الأَمْرَاضِ بَإِذْنِ اللهِ تَعَالى، وَفِيهِ مِنْ الْمَزَايَا الصَّحِيَّةِ مَا شَهِدَ بِهِ العَدُوُّ قَبْلَ الصَّدِيقِ، فَسُبْحَانَهُ مِنْ إِلَهٍ عَلِيمٍ حَكِيمٍ.
وَمَنْ فَوَائِدِ الصِّيَامِ أَنَّهُ يُقَوِّي النَّفْسَ عَلَى البَّرِ وَالحِلْمِ وَهُمَا تَجَنُّبِ كُلِّ مَا مَنْ شَأْنِهِ إِثَارَةُ الغَضَبِ لأَنَّ الصَّوْمَ نِصْفُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ نِصْفُ الإِيمَانِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِمَا رَوَاهُ النِّسَائِي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ في حَدِيثِهِ الطَّويلِ: أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَلا أَدُلَكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ»؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ» فَالصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنْ العَذَابِ وَمِنْ الأخْلاقِ السَّيِّئَةِ.
وَمِنْ يُلاحِظْ حَالَ الصَّائِمِينَ الْمُوَفِّقِينَ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَحَرِّي الطَّاعَةِ وَتَحرِّي سُبُلَ الخَيْرَاتِ وَالابْتِعَادِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالرَّغْبَةِ فِي الإحْسَانِ يُدْرِكُ أَنَّ الصَّوْمَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الهِدَايَةِ، وَيُدْرِكُ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالى: ? وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ? وَيُدْرِكُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ». وَيُدْرِكُ مَا فِيهِ مِنْ تَهْذِيبِ النَّفْسِ
وَتَطْهِيرِهَا مِنْ الأَخْلاقِ الْمَوْبُوءَةِ وَتَرْوِيضِهَا عَلَى الطَّاعَاتِ وَإعْدَادِهَا لِلسَّعَادَتَيْنِ الدُّنْيَويَّةِ وَالأَخْرَوِيَّةِ، وَحَسْبُكَ فِي فَضْلِ الصِّيَامِ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».
يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَذَرُ شَهَوَتِهِ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ لأَجْلِي فَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ». قَالَ ابْنُ القَيمِّ رَحِمَهُ اللهُ وَقَدْ اخْتُلِفَ في وُجُودِ هَذِهِ الرَّائِحَةِ مِنْ الصَّائِمِ هَلْ هِيَ فِي الدُّنْيَا أَوْ في الآخِرَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَفَصْلُ النِّزَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ حَيْثُ أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَأَنَّ ذَلِكَ الطِّيبَ يَكُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلأَنَّهُ الوَقْتُ الذي يَظْهَرُ فِيهِ ثَوَابُ الأَعْمَالِ وَمُوجِبَاتِهَا مِنْ الخَيْرِ وَالشَّرِّ فَيَظْهَرُ لِلْخَلْقِ طِيْبُ ذَلِكَ الخُلُوفُ عَلَى الْمِسْكِ كَمَا يَظْهَرُ فِيهِ دَمُ الْمَكْلُومِ فِي سَبِيلِهِ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ وَكَمَا تَظْهَرُ فِي السَّرَائِرِ وَتَبْدُو عَلَى الوُجُوهِ وَتَصِيرُ عَلانِيَّةً وَيَظْهَرُ فِيهِ قُبْحُ رَائِحَةِ الكفَّارِ وَسَوادُ وُجُوهِهمْ وَحَيْثُ أَخْبَرَ بَأَنَّ ذَلِكَ حِينَ يَخْلُفُ وَحِينَ يُمْسُونَ فَلأنَّهُ وَقْتُ ظُهُورِ أَثَرِ العِبَادَةِ وَيَكُونَ حِيَنَئذٍ طِيبُهَا عَلَى رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَ اللهِ تَعَالى وَعِنْدَ مَلائِكَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الرَّائِحَةُ كَرِِيهَةُ لِلْعِبَادِ.
فَرُبَّ مَكْرُوهٍ عِنْدَ النَّاسِ مَحْبُوبٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالى وَبَالْعَكْسِ فَإِنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُ لِمُنَافَرَتِهِ لِطَبَاعِهِمْ وَاللهُ تَعَالى يَسْتَطِيبُهُ وَيُحِبُّهُ لِمَوَافَقَتِهِ لأَمْرِهِ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ فَيَكُونُ عِنْدَهُ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَنَا فَإِذَا كَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ ظَهَرَ هَذَا الطِّيْبُ لِلْعِبَادِ وَصَارَ عَلانِيَةً.
وَهَكَذَا سَائِرُ آثَارِ الأَعْمَالِ مِنْ الخَيْرِ وَالشَّرِّ وَإِنَّمَا يَكْمُلُ ظُهُورُهَا وَيَصِيرُ عَلانِيَةً فِي الآخِرَةِ.
شِعْرًا:
لله قومٌ أَخْلَصُوا في حُبِّهِ
(فَكَسَا وجُوهَهُمُ الوَسِيمَةَ نُورَا
(
ذَكَرُوا النَّعِيمَ فَطَلَّقُوا دُنْيَاهُمُوا
(زُهْدًا فَعوضَهُمْ بِذَاكَ أُجُورَا
(قَامُوا يَنُاجُون الإِلهَ بَأَدْمُعٍ
¥