وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤمِنُ كذَّابًا قَالَ: «لا». الحَدِيثِرَوَاهُ مَالِكُ، وَالبَيْهَقِي فِي شُعَبْ الإِيمَانِ.
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[22 - 01 - 09, 03:26 م]ـ
وَقَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: إِيَّاكَ وَالكَذِبَ فَإنَّهُ يُفْسِدُ عَلَيْكَ تَصَوُّرَ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَيُفْسِدُ عَلَيْكَ تَصْوِيرَهَا وَتَعْلِيمَهَا لِلنَّاسِ فَإنَّ الكَاذِبَ يُصَوِّرُ الْمَعْدُومَ مَوْجُودًا وَالْمَوْجُودَ مَعْدُومَا وَالحَقَّ بَاطِلاً وَالبَاطِلَ حَقًّا وَالخَيْرَ شَرًّا فَيُفْسَدُ عَلَيْهِ تَصْوُّرَهُ وَعِلْمَهُ عُقُوبَةً لَهُ ثُمَّ يُصَوِّرُ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْمُخَاطَبِ الْمُغْتَرِ بِهِ الرَّاكِنُ إِلَيْهِ فَيُفسِدُ عَلَيْهِ تَصَوُّرَهُ وَعِلْمَه وَنَفْسُ الكَاذِبِ مُعْرِضَة عَنْ الحَقِيقَةِ الْمَوْجُودَةِ تَرَّاعَةٌ إِلى العَدَمِ مُؤْثِرَةٌ لِلْبَاطِلِ وَلِهَذَا كَانَ الكَذِبُ أَسَاسُ الفُجُورِ.
كَمَا قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ». وَأَولُ مَا يَسْرِي الكذِبُ مِنْ النَّفْسِ إِلى اللِّسَانِ فَيُفْسِدُهُ ثُمِّ يَسْرِي إلى الجَوَارِحِ فَيُفْسِدُ عَلَيْهَا أَعْمَالَهَا كَمَا أَفْسَدَ عَلَى اللسَانِ أَقْوَالِهِ فَيَعُمُّ الكَذِبَ أَقْوَالَهُ وأعْمَالَهُ وَأَحْوَالَهُ فَيَسْتَحْكِمُ عَلَيْهِ الفَسَادُ وَيَتَرَامَى دَاؤهُ إلى الهُلَكَةِ إنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ اللهُ بِدَوَاءِ الصِّدْقِ بِقَلْعِ تِلْكَ الْمَادَّةِ مِنْ أَصْلِهَا.
وَلِهَذَا كَانَ أَصْلُ أَعْمَالِ القُلُوبِ كُلِّهَا الصِّدْقَ وَأَضْدَادُهَا مِنْ الرِّيَاءِ وَالعُجْبِ وَالكِبُرِ وَالفَخْرِ والخُيلاءِ وَالبَطَرِ وَالأشَر والعَجْزِ وَالكَسَلَ وَالجُبْنِ وَالْمَهَانَةِ وَغَيْرِهَا أَصْلُهَا الكَذِبُ فَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ ظَاهِرٌ أَوْ بَاطِنٌ فَمَنْشَؤُهُ الصِّدْقُ وَكُلُّ عَمَلٍ فَاسِدٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ فَمَنْشَؤُوهُ الكَذِبُ، وَاللهُ تَعَالى يُعَاقِبُ الكَذَّابَ بَأَنْ يُقْعِدَهُ وَيُثَبِّطَهُ عَنْ مَصَالِحِهِ وَمَنَافِعِهِ وَيُثِيبُ الصَّادِقَ بَأَنْ يُوَفِّقَهُ لِلْقِيَامِ بِمَصَالِحِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ.
وكان الصدق في صدر الإسلام أساسًا في القول والعمل والمعاملة، وخصوصًا فيما يتعلق بالدين وحفظ الحديث.
فقد وُرِثَتْ عن العُلماء الأوائل عُلومُ الدين مَضْبُوطة كامِلَةً كَمَا أُنزِلَت على رسول اللهِ ? وحَدَّث عنها.
وكان عُلماءُ الدين وجامِعُوا أَحَادِيثِ النبي ? يَتَحرونَ صِدقَ الُمَحِّدِث بِشَكْلٍ عَجِيبٍ.
يَدْرُسُونَ حَيَاتَه وَيَتَحقَّقونَ مِنْ أَقواله وأَعماله وأنه يأكل مِنْ كسْب يَدِهِ وَلَمْ يَدخل على سلطان في صُحْبَةٍ أَوْ وَظِيفَةٍ.
وَأنه يُطبّقُ تَعَالِيمَ الدِّينِ كَاملةً ولم تُعْهَدْ عليه كِذْبَة في حَيَاته. فعندها يُؤْخَذُ عنه الحديث النبوي.
ومثالٌ عَلَى مَا ذُكِرَ عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سَمِعَ بِوجُودِ حَدِيثٍ عندَ عَالمٍ بدمَشق فسافَر إليهِ مِنْ بغداد حتى وَصَل دمشق فمكث مُدَّةً يسأل عن العالم وعن أخلاقه وَمُعَامَلِته وكلامه.
حتى إذا وَثَقَ مِن صِدقه أتاه مُبَكِّرًا بعد أن اغتسل وتطيب ولبس أحسنَ ثيابِه إجْلالاً لِلْحَدِيثِ وَلِمَنْ يحمله.
ولما اقتربَ مِن بَيْته وَجَدَ العَالِمَ خارجًا مِن بَيْتهِ يَقودُ حِمارَهُ وقد كان حَمَالاً يَكتَسِبُ رِزقَه.
فَرَفَضَ الحِمَارُ أَنْ يَسِيرَ مَعهُ فَحاوَل أَنْ يَجُره أو يسُوقه بمُخْتَلَفِ الوَسَائِلِ وَيأْبَى الحِمار.
فَجَمَعَ لَه طَرفَ جُبَّتِهِ وَقَدَّمَهُ لِلْحِمارِ لِيُوهِمه أَنَّ في الجُبَّةِ شَعِير أَو نحوه فَتَبعَه الحِمَار.
فَنَظَر الإِمام أحمد إلى الجبة فوجَدَهَا خَالِيَةً ما فيها شيء.
فَتَرَكَ أحمدُ العالم والأخْذَ عنه حَيثُ تَبَيَّنَ له كَذبُهُ على الحِمار.
فلا يُؤْتَمَن على الحديث الشريف. أ. هـ.
سَلامِي عَلَى أَهْلِ الحَدِيثِ فَإِنَّنِي
¥