تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَمِنْ مَحَاسِنِ الصِّيَامِ في فَرْضِهِ وَشَرْعِهِ أَنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ فِي كُلِّ العُمْرِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْحُسْنِ بَلْ فُرِضَ شَهْرًا مِنْ كُلِّ سَنَةٍ شَهْرَ رَمَضَانَ وَرُخِصَّ فِي الإِفْطَارِ عِنْدَمَا يَحْصُلُ لَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ عُذْرٌ وَأَيْضًا أَمُرَ بالصَّوْمِ فِي النَّهَارِ وَأُبِيحَ في اللَّيْلِ الإِفْطَارُ، وَهَذَا مِنْ لُطْفِ اللهِ أَمَرَ عِبَادَهُ عَلى وَجْهِ يُمْكِنُ لَهُمْ فِيهِ إحْرَازُ الفَضِيلَةِ وَاكْتِسَابُ الوَسِيلَةِ وَمِنْ ذَلِكَ إنَّهُ خَصَّ الصِّيَامَ بالنَّهَارِ لأَنَّ الأَكْلَ فِيهِ مُعْتَادٌ، وَالنَّوْمُ في اللَّيْلِ مُعْتَادٌ وَمِنْ مَحَاسِنِ الصَّوْمِ اكْتِسَابِ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ لأَنَّ قِلةَ الأَكْلِ مِنْ مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ.

وَلِذَلِكَ لَمْ يُحْمَدْ أَحَدٌ بِكَثْرَةِ الأَكْلِ وَيُحْمَدُ عَلى قِلَّةِ الأَكْلِ يَحْمِدُهُ كُلُّ ذِي دِينٍ فِي كُلِّ حِينٍ وَلَمْ يُرَوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الأَنْبِيَاءِ كُثْرَةُ الأَكْلِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَحَاسِنِ فِي الصِّيَامِ أَنَّ اللهَ مِنْ لُطْفِهِ بِعِبَادِهِ لَمْ يَشْتَرِطْ في القَضَاء مَا في الأداءِ مَنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يَشْتَرِطْ في القَضَاء طُولَ اليَوْمِ باليَوْمِ وَلا حَرَارَتَهُ وَلا بُرُودَتَهُ فَإِذَا أَفْطَرَ فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ ثُمَّ قَضَاهُ فِي أَقْصَرِ يَوْمٍ أَجْزَاهُ وَكَفَاهُ.

وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَحَاسِنِ فِي الصَّوْمِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرَطْ فِيهِ قِرَانُ النِّيَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ كَمَا فِي سَائِرِ العِبَادَاتِ لأَنَّ هَذَا الوَقْتِ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ قَلَّمَا يَقِفُ العَبْدُ عَلَيْهِ فَلوَ شُرِطَ لَضَاقَ الأمْرُ عَلَى النَّاسِ فَيَسَّرَ الأَمْرَ عَلَى عِبَادِهِ حَتَّى أَجَازَ الصَّوْمَ بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ تَقَعُ بِجُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ طَرَأ عَلَيْهِ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالرَّفَثُ لأَنَّ اللهَ أَبَاحَ الأَكْلَ وَالشُّرْبَ إلى آخِرِ اللَّيْلِ فَلَوْ بَطَلَتْ بِهِ فَاتَ مَحَلُّهَا.

اللَّهُمَّ اسْلُكْ بِنَا سَبِيلَ عِبَادِكَ الأَبْرَارِ، وَنَجِّنَا مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وأَسْكِنَّا الْجَنَّةَ دَارَ القَرَارِ، وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

(فَصْلٌ): كَتَبَ عُمر بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلى القُرَضِي: أَمَّا بَعَدُ فَقَدْ بَلَغَنِي كِتَابُكَ تَعِظُنِي وَتَذْكُرُ مَا هُو لِي حَظٌّ وَعَلَيْكَ حَقَّ وَقَدْ أَصَبْتَ بِذَلِكَ أَفْضَلَ الأَجْرِ إِنَّ الْمَوْعِظَةَ كَالصَّدَقَةِ بَلْ هِيَ أَعْظَمُ أَجْرًا وَأَبْقَى نَفْعًا وَأَحْسَنُ ذُخْرًا وَأَوْجَبُ عَلى الْمُؤْمِن حَقًّا، لِكَلِمَةُ يَعِظُ بِهَا الرَّجُلُ أَخَاهُ لِيَزْدَادَ بِهَا فِي هُدىً وَرَغْبَةٌ خَيْرٌ مِنْ مَالِ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِهِ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، وَلِما يُدْرِكُ أَخُوكَ بِمَوْعِظَتِكَ مِنْ الْهُدَى خَيْرٌ مِمَّا يَنَالُ بِصَدَقَتِكَ مِنْ الدُّنْيَا وَلأَنْ يَنْجُو رَجُلٌ بِمَوْعِظَتِكَ مِنْ هَلَكَةٍ خَيْر مِنْ أَنْ يَنْجُو بِصَدَقَتِكَ مِنْ فَقْرٍ.

فَعِظْ مَنْ تَعِظُ لِقَضَاءِ حَقٍّ عَلَيْكَ وَاسْتَعْمِلْ كَذَلِكَ نَفْسَكَ حِينَ تَعِظْ وَكُنْ كَالطَّبِيبِ الْمُجَرِّبِ العَالِمِ الذِي قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا وَضَعَ الدَّوَاءَ حَيْثُ لا يَنْبَغِي أَعْنَتَ نَفْسَهُ، وَإِذَا أَمْسَكَ مِنْ حَيْثُ يَنْبَغِي جَهْلَ وَأَثِمَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُدَاوِي مَجْنُونًا لَمْ يُدَاوِهِ، وَهُوَ مُرْسَلٌ حَتَّى يَسْتَوْثِقَ مِنْهَ وَيُوَثِّقَ لَهُ خَشْيَةَ أَنْ لا يَبْلُغَ مِنْهُ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَتَّقِي مِنْهُ مِنْ الشَّرِ وَكَانَ طِبُّهُ وَتَجْرِبَتُهُ مِفْتَاحُ عَمَلِه، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ الْمِفْتَاحُ عَلى البَابِ لِكَيْمَا يُغْلَقُ فَلا يُفْتَحُ أَوْ ليُفْتَحَ فَلا يُغْلَقُ وَلَكِنْ لِيُغْلَقَ فِي حِينِهِ وَيُفْتَحَ فِي حِينِهِ.

وَكُنْ نَاصِحًا لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعهِمْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير