تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد بدأ الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- بمرحلة جديدة بعد هجرة الحبشة من التضحيات فحتى الهجرة كانوا يؤذون فيها ويعذبون، ولكنهم الآن اضطروا إلى ترك الأوطان والأهل والأشغال ومفارقتها وهذا في الواقع شيء هام، ولكن لا يعرف مقدار هذه التضحيات وما مر به هؤلاء الأفذاذ إلا من مر في مثل هذه التضحية فقد ضحوا بكل شيء فقط لشيء واحد وهو أننا يا رب مستعدون لذلك بكل شيء للحفاظ على ديننا ورابطتنا مع ذاتك الكريمة فذهبوا إلى الحبشة وما وجدوا هناك لا أهل ولا وطن ولا تجارة ولا زراعة وإنما أرضاً وبيئة يستطيعون أن يعبدوا الله تعالى فيها وأن يحافظوا على علاقتهم بالله تعالى وبدينه العزيز.

والآن كذلك للتدريب على تقديم التضحيات والهجرة لدين الله تعالى، علينا تفريغ الأوقات حتى نترك بيئتنا الفاسدة هذه ونعيش في بيئة صالحة ونجتهد حتى يصبح عندنا التَعَلُّق التام بدين الله تعالى ولكن هناك نكتة دقيقة وهي أن على المجتهدين لإقامة الدين أن يمروا بمرحلة التربية، التربية على الدعوة التي تربى عليها الصحابة -رضي الله عنهم- في زمن الرسول r لأن من لم يمر بمرحلة التربية لا يمكن له الاستقامة على الدعوة في أي حال فعلينا أولاً ترك هذه البيئات المسمومة للدعوة إلى الله تعالى حتى يستحكم الدين في حياتنا، لأن طريقة أصحاب الدعوة هي ترك الأهل والأوطان والعيش لمدة معينة للحفاظ على الدين وتقوية الإيمان ومجيء الأعمال جيلاً بعد جيل مع بذل الجهود لإقامة البيئة الصالحة، لأن المقصود من ترك الأموال والأشغال والأهل والأوطان ليس بأن يعيش الإنسان في صومعة ويعتزل الناس.

قلت: وبعد ذلك أخذ الشيخ يبين أن الصحابة -رضي الله عنهم- انقسموا إلى قسمين: قسم هاجر إلى الحبشة للحفاظ على دينهم، وقسم بقي في مكة وتحملوا المشقات والأذى، ثم قال الشيخ:

الفائدة:

إن فراق الأهل والقبيلة والوطن شيء صعب وتضحية كبيرة في الظاهر ولكن في الحقيقة الأكبر والأعظم من ذلك أن يكون الإنسان في مكانه وبين أهله ولكن يضطر إلى مفارقة كل شيء واعتزاله فقط لأجل دين الله تعالى ويرى أمام عينه الخسارة في الأهل والبيت والقبيلة والتجارة والزراعة، وكل شيء، ويتحمل ذلك وهو ينظر فقط لأجل دين الله تعالى، فكان هناك قسم ينفر من الصحابة -رضي الله عنهم- خارج البلاد يتحملون كل شيء والقسم الآخر في أماكنهم يتحملون مظالم قومهم ولكنهم في كل حال قائمين بإقامة دين الله تعالى ولم يسمحوا بأي حال من الأحوال أن يأتي أي نقص أو فرق في دعوة الأنبياء -عليهم السلام- فقد ضموا بما لديهم شيئاً بعد الآخر، وصمموا أن يحافظوا على الدعوة وصاحب الدعوة، وقرارهم هذا وعزمهم لم يكن لوقت محدد إنما كان شيئاً إلى الأبد ونفذوه عملياً طول حياتهم والآن كذلك علينا أن نعزم ونقرر أن نقوم لدين الله تعالى فنخرج فترة إلى الخارج ونجتهد لإقامة دين الله تعالى وإذا رجعنا إلى أماكننا أو إلى أحيائنا كذلك نجتهد ونقدم بعض التضحيات لإرضاء الله تعالى ونستمر في ذلك إلى أن نفارق هذه الدنيا".

قلت: ويتابع الشيخ بحثه فبعد أن بين أنه يجب التحمل والصبر على الأذى للدعوة إلى الله تعالى قال:

"ولكن مع الأسف أن دعاة الإسلام في أيامنا هذه إذا سمع أحدهم كلمة غير مرغوبة فإنه يترك الدعوة ويقول يا أخي اعبد ربك ومالك وللناس، ثم يصبح يبحث عن المال والملك والأكثرية حتى تكون معه ويقيم الدين بذلك مع العلم بأن تحمل المصائب والمظالم والصبر عليها مهما اشتدت، والاستمرار بالدعوة على كل حال بلا تردد ولا توقف هو السبب الوحيد لحصول نصرة الله تعالى، وأن التوجه إلى غير الله تعالى والبحث على الأشياء هو سبب لحرمان صاحب الدعوة من منصب الدعوة، وهكذا فإن التبليغ في زماننا الحاضر إنما هو تدريب ودرس عملي يرى الناظر من بعيد أن هذه الجماعات التي تخرج والناس الذين يخرجون أنهم دعاة ومصلحون خرجوا لإصلاح الناس مع أن العلم أن هؤلاء الناس ما خرجوا إلا لإصلاح أنفسهم وتربيتها، ولتعلم الدين خرجوا حتى يتعلموا الدعوة والتدريب العملي على ترك كل غال ونفيس من أجل دين الله تعالى، ويتدربوا على تعلم ذلك بأنفسهم ويقوموا بتمرين كل مسلم في كل بقعة من بقاع الأرض على تعلم ذلك والتدريب عليه، لقد دخل الصحابة -رضي الله عنهم- في الإسلام ببركة هذه الجولات ولقد انتشر الإسلام

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير