تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى ذلك فذكر هذه المسألة في مباحث الانقطاع بين موضوعي العنعنة والتدليس ليس مبرراً لا موضوعياً ولا منهجياً؛ إذ إن التعارض والاختلاف بين الوصل والإرسال وكذا بين الوقف والرفع، مسألة لا صلة لها بالانقطاع؛ ولهذا أورد فضيلة الأستاذ نور الدين عتر (حفظه الله تعالى) تلك المسألة في نوع زيادة الثقة في كتابه ‘منهج النقد في علوم الحديث’، هذا وقد صرح الإمام ابن الصلاح بذلك حين قال: ‘‘ولهذا الفصل تعلق بـ: فصل زيادة الثقة في الحديث’’. وقد أقره السخاوي بقوله: ‘‘وكان الأنسب ضمه لزيادات الثقات لتعلقه كما قال ابن الصلاح به ’’؛ ولذلك لم يضع ابن الصلاح عنواناً بارزاً لهذا الموضوع، بل جعله خامس فروع الانقطاع.

كما أنه لم يتعرض لمسألة تعارض الوقف والرفع إلا في آخر كلامه وعلى سبيل الاستطراد، بخلاف صنيع اللاحقين؛ فإنهم قد وضعوا له عنوان: ‘‘تعارض الوصل والإرسال والوقف والرفع’’، وهنا يزداد الخلل أكثر في ترتيب الأنواع إذ لا مناسبة هنا في مباحث الانقطاع لذكر مسائل التعارض.

إن موضوع هذا النوع ــ كما ترى ــ شامل لرواية الضعفاء ورواية الثقات، وصلته بنوع العلة تكون ظاهرة من حيث إن الوصل في المرسل، والرفع في الموقوف، بحاجة إلى تحري ثبوت ذلك، وتتبع القرائن والملابسات، ولهذا فإن الأنواع: العلة وتعارض الوصل والإرسال، وتعارض الوقف والرفع، وزيادة الثقة: كلها تشكل وحدة موضوعية، وبالتالي يجب أن يكون طرح أي نوع منها في ضوء صلته الوثيقة بالآخر حتى لا يحدث لَبس ولا غموض في بيان صوره وتحرير أحكامه.

والذي يجب ذكره في هذا الصدد هو أن هذه الوحدة الموضوعية لم تتبلور في النصوص السابقة، مع كون ذلك أمرا مهما في معالجة مثل هذا النوع من أنواع علوم الحديث، ونتج عن ذلك اضطراب كبير في تجلية المسائل المتعلقة به؛ مما لفت أنظار غير واحد من المحققين إلى الاستدراك على ابن الصلاح.

يقول الحافظ ابن حجر في هذا الصدد: ‘‘وهنا شيء يتعين التنبيه عليه وهو: أنهم شرطوا في الصحيح أن لا يكون شاذا، وفسروا الشاذ بأنه ما رواه الثقة فخالفه من هو أضبط منه أو أكثر عددا، ثم قالوا: تقبل الزيادة من الثقة مطلقا فلو اتفق أن يكون من أرسل أكثر عددا أو أضبط حفظا أو كتابا على من وصل أيقبلونه أم لا؟ أم هل يسمونه شاذا أم لا؟ لا بد من الإتيان بالفرق أو الاعتراف بالتناقض’’.

ويقول تلميذه البقاعي: ‘‘إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين، فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظرا لم يحكه، وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه، وذلك أنهم لا يحكمون منها بحكم مطرد، وإنما يديرون ذلك على القرائن’’.

وسبقهما في ذلك الإمامان ابن دقيق العيد والعلائي، أما ابن دقيق العيد فيقول: ‘‘من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنهم إذا تعارض رواية مسنِد ومرسِل أو رافع وواقف أو ناقص وزائد إن الحكم للزائد لم يصب في هذا الإطلاق فإن ذلك ليس قانونا مطردا، والمراجعة لأحكامهم الجزئية تعرف صواب ما نقول’’.

وهذا نص العلائي: ‘‘كلام الأئمة [المتقدمين] في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في كل حديث حديث’’.

ويقول ابن الوزير مستفيدا من هذه النصوص جميعا: ‘‘وعندي أن الحكم في هذا لا يستمر، بل يختلف باختلاف قرائن الأحوال، وهو موضع اجتهاد’’.

وقد أجاد الحافظ ابن حجر حين عقب على الحافظ العلائي كتتمة لقوله السابق نقله، وأنا أذكره هنا كخلاصة في هذه المسألة، يقول (رحمه الله تعالى): ‘‘وهذا العمل الذي حكاه عنهم إنما هو فيما يظهر لهم فيه الترجيح، وأما ما لا يظهر فيه الترجيح فالظاهر أنه المفروض في أصل المسألة، وعلى هذا فيكون في كلام ابن الصلاح إطلاق في موضع التقييد’’.

ثالثا: الخلاصة.

تجلى مما سبق ذكره أن هذا النوع من أنواع علوم الحديث تدخل فيه زيادة الثقة، وقد رأينا ابن الصلاح يطلق القبول فيما وصله الثقة مخالفا لغيره، أو فيما رفعه مخالفا لمن وقفه، وهو حكم مختلف عما بينه هو في نوع العلة، اللهم إلا إذا قيدنا ذلك بحالة ما إذا لم يتبين أن هذه الزيادة قد وقعت منه خطأ ووهما بعد تتبع القرائن والملابسات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير