وفي هذه الحالة وحدها التي يكون فيها الحديث خاليا مما يدل على وهم راويه أو صوابه من القرائن والملابسات يصح أن يقال: هذا الوصل أو الرفع من الثقة، وزيادته مقبولة.
وبهذا تصبح مسألة تعارض الوصل والإرسال وتعارض الوقف والرفع منسجمة مع الأنواع التي تشكل وحدة موضوعية لا سيما موضوع زيادة الثقة في أحكامها وأبعادها النقدية.
ـ[ابوخالد الإماراتي]ــــــــ[19 - 07 - 02, 12:40 ص]ـ
المبحث الثاني: المدرج.
أولاً: نص ابن الصلاح في المدرج.
قال ابن الصلاح: ‘‘النوع العشرون: معرفة المدرج في الحديث. وهو أقسام: منها ما أدرج في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام بعض رواته، بأن يذكر الصحابي أو من بعده عقيب ما يرويه من الحديث كلاماً من عند نفسه، فيرويه من بعده موصولا بالحديث غير فاصل بينهما بذكر قائله، فيلتبس الأمر فيه على من لا يعلم حقيقة الحال، ويتوهم أن الجميع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.’’
‘‘ومن أمثلته المشهورة: ما رويناه في التشهد عن أبي خيثمة زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّمه التشهد في الصلاة، فقال: قل: ‘التحيات لله’ فذكر التشهد وفي آخره: ‘أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد’.
هكذا رواه أبو خيثمة عن الحسن بن الحر، فأدرج في الحديث قوله: ‘فإذا قلت هذا….’ إلى آخره وإنما هذا من كلام ابن مسعود لا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الدليل عليه أن الثقة الزاهد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان رواه عن راويه الحسن بن الحر كذلك، واتفق حسين الجعفي وابن عجلان وغيرهما في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكر هذا الكلام في آخر الحديث، مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره، عن ابن مسعود على ذلك، ورواه شبابة عن أبي خيثمة، ففصله أيضا’’.
ومن أقسام المدرج: أن يكون متن الحديث عند الراوي له بإسناد إلا طرفاً منه فإنه عنده بإسناد ثان، فيدرجه من رواه عنه على الإسناد الأول، ويحذف الإسناد الثاني، ويروي جميعه بالإسناد الأول’’.
‘‘مثاله: حديث ابن عيينة وزائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي آخره: ‘أنه جاء في الشتاء فرآهم يرفعون أيديهم من تحت الثياب’ والصواب رواية من روى عن عاصم بن كليب بهذا الإسناد صفة الصلاة خاصة، وفصل ذكر رفع الأيدي عنه، فرواه عن عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر’’.
‘‘ومنها: أن يدرج في متن حديث بعض متن حديث آخر مخالف للأول في الإسناد.
ومثاله: رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ‘لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا ….’ الحديث.
فقوله: ‘لا تنافسوا’ أدرجه ابن أبي مريم من متن حديث آخر رواه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فيه: ‘لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا’ والله أعلم.’’
‘‘ومنها: أن يروي الراوي حديثا عن جماعة بينهم اختلاف في إسناده، فلا يذكر الاختلاف فيه، بل يدرج روايتهم على الاتفاق.
مثاله: رواية عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن كثير العبدي عن الثوري عن منصور والأعمش وواصل الأحدب عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود، قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم …الحديث.
وواصل إنما رواه عن أبي وائل عن عبد الله من غير ذكر عمرو بن شرحبيل بينهما والله أعلم.’’ انتهى
ثانيا: تحليل النص والتعقيب عليه.
إن الذي بيّنه ابن الصلاح في هذا النوع المسمى مدرجاً ينطوي على معظم أقسامه وأمثلته مفهوم زيادة الثقة إذا وقع الإدراج من الثقة؛ إذ كل ما يزيده هو في الحديث مما ليس منه دون أن يفصله عن أصل الحديث يعد مدرجا، سواء كان هذا المدرَج قولا لصحابي أو قولا لراو ممن بعده، كما في المثال الأول، أو كان جزءا من حديث آخر يُروى بإسناد مستقل كما في المثال الثاني والثالث.
¥