ولوقوع الإدراج في الحديث أسباب كثيرة، ويرجع معظمها إلى سوء الحفظ أو الوهم أو الرواية بالمعنى أو إلى أمن الالتباس عند الراوي؛ كشرح الراوي معاني الكلمات الغريبة الواردة في الحديث أثناء التحديث.
وتفصيل ذلك كالتالي: ترى في المثال الأول أن أبا خيثمة الثقة زاد في آخر الحديث جملة لم يذكرها غيره من الثقات، وبذلك أصبح مخالفا لهم في ذلك، وحين تبين من التتبع والقرائن أن تلك الجملة كان يقولها عبد الله بن مسعود من عنده بعد رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا إنها مدرجة في متن الحديث، وبالتالي يقال عنها: ‘شاذة’ بناء على أنها مخالفة لما رواه الثقات أو مخالفة للواقع الحديثي. أو يقال: ‘منكرة’ باعتبارها غير معروفة عن عبد الله بن مسعود، وإنما يعرف عنه أنه قال ذلك من عنده وليس مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم. أو يقال: ‘معلولة’ بشكل عام إذ إن إدراج تلك الجملة في الحديث، وجعلها طرفا من قول النبي صلى الله عليه وسلم يعد خطأ ووهما. أو قل: إنها زيادة ثقة غير مقبولة لأنه زيادة عن أصل الحديث المرفوع.
وكذا الأمر في المثال الثاني، حيث زاد كل من ابن عيينة وزائدة بن قدامة في آخر الحديث‘‘أنه جاء في الشتاء فرآهم يرفعون أيديهم من تحت الثياب’’ وبهذه الزيادة تحققت المخالفة بينهما وبين الثقات الآخرين، وبالتالي أصبحت مردودة بعد أن تأكد إدراجها. وإن شئت سمها شاذة أو منكرة أو معلولة أو زيادة الثقة غير المقبولة.
وأما في المثال الثالث فقد زاد ابن أبي مريم الثقة جملة ‘لا تنافسوا’ في الحديث الذي رواه جماعة من الثقات بدونها. ومن تتبع القرائن علم أنها جملة من حديث آخر كان يرويه مالك بإسناد آخر، وبالتالي فزيادة ابن أبي مريم مردودة ولا تعد طرفا من الحديث.
ثالثا: الخلاصة.
هكذا تتضح وحدة الموضوع التي تربط المدرج بموضوع زيادة الثقة، لا سيما الأنواع: العلة والشاذ والمنكر، وتتمثل هذه الوحدة الموضوعية في التفرد والمخالفة. فما يتفرد به الثقة مخالفا لغيره تكون أحكامه حسب القرائن والملابسات التي تحيط بذلك. ولذلك يبقى نوع المدرج الذي أدرجه الثقة في أصل الحديث في دائرة زيادة الثقة التي تبين خطؤها، وبالتالي يكون هذا المدرج من الأنواع المردودة من الزيادات. وبما أن زيادة الثقة تقع في الحديث لأسباب كثيرة منها ما يدل على أنها مدرجة ومقحمة في أصل الحديث فإن إطلاق الحكم بقبول الزيادة من الثقة دون التفات إلى الأسباب المحتملة لذكرها في الحديث يكون مناقضا لقواعد النقد عند المحدثين تنظيراً وتطبيقاً.
والجدير بالذكر أن الحافظ ابن حجر وبعض المتأخرين جعلوا أول مثال مما سبق لإدراج في المتن، وأما الثاني والثالث والرابع فعدوها أمثلة إدراج في السند.
وهذا غير دقيق فيما أرى؛ إذ ترجع كلها ما عدا المثال الرابع إلى زيادة في المتن وإدراجها فيه، غير أن الأول كانت الزيادة المدرجة فيه قولاً لصحابي، بينما كانت الزيادة المدرجة في الثاني والثالث هي طرف من حديث آخر فجاء التلفيق بين سنديهما. وأما الرابع فيكون مثالا لوقوع الإدراج في السند، وليس في المتن وذلك بالتلفيق بين روايتين مختلفتين أحدهما متصلة والثانية منقطعة وكان المتن فيهما واحدا.
ولذلك نجعل ما سبق من الأمثلة كلها ما عدا الرابع إدراجا في المتن، وأما الإدراج في الإسناد فسنرى أمثلته في المبحث الآتي.
ولذلك فنوع المدرج يشكل ــ مع المزيد في متصل الأسانيد ــ وحدة موضوعية في قضية الزيادة والإدراج، يقول فضيلة الأستاذ الدكتور / نور الدين عتر (حفظه الله): ‘‘وفي رأينا أن هذا النوع يمكن أن يدخل في المدرج (مدرج السند) الآتي وفي المعلل بعلة غير قادحة، فليتأمل.
المبحث الثالث: المزيد في متصل الأسانيد.
أولا: نص ابن الصلاح في المزيد.
قال ابن الصلاح: ‘‘السابع والثلاثون: معرفة المزيد في متصل الأسانيد. مثاله: ما روي عن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني بسر بن عبيد الله، قال: سمعت أبا إدريس يقول: سمعت واثلة بن الأسقع، يقول: سمعت أبا مرثد الغنوي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها.’’
‘‘فذِكرُ سفيان في هذا الإسناد زيادة ووهم، وهكذا ذِكرُ أبي إدريس.
¥