فإن عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة واضحة صافية، لا لبس فيها ولا غموض، لأنها مأخوذة من هدي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قد دونت أصولها ومبانيها في كتب معتمدة توارثها الخلف عن السلف، وتدارسوها وحرروها وتواصوا بها وحثوا على التمسك بها، كما قال عليه الصلاة والسلام ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى))، وهذا أمر لا شك فيه ولا جدال حوله.
((ظهور نابتة تنازع عقيدة أهل السنة في الإيمان))
إلا أنه ظهرت في الآونة الأخيرة نابتة من المتعالمين جعلت أصول هذه العقيدة مجالاً للنقاش والأخذ والرد، ومن ذلك قضية الإيمان وإدخال الإرجاء فيه، والإرجاء كما هو معلوم .. عقيدة ضالة تريد فصل العمل وإخراجه عن حقيقة الإيمان، بحيث يصبح الإنسان مؤمنًا بدون عمل، فلا يؤثر تركه في الإيمان انتفاءً ولا انتقاصًا، وعقيدة الإرجاء عقيدة باطلة قد أنكرها العلماء وبينوا بطلانها وآثارها السيئة ومضاعفاتها الباطلة.
وآل الأمر بهذه النابتة إلى أن تشنع على من لا يجاريها ويوافقها على عقيدة الإرجاء ويسمونهم بالخوارج والتكفيريين، وهذا قد يكون لجهلهم بعقيدة أهل السنة والجماعة، التي هي وسط بين مذهب الخوارج الذين يكفرون بالكبائر التي هي دون الكفر، وهو مذهب باطل، وبين مذهب المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان معصية وإن كانت كبيرة.
فأهل السنة والجماعة يقولون: إن مرتكب الكبيرة ـ التي هي دون الكفر ـ لا يكفر كما تقوله الخوارج، ولا يكون مؤمنًا كامل الإيمان كما تقوله المرجئة، بل هو عند أهل السنة مؤمن ناقص الإيمان، وهو تحت المشيئة، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه، كما قال تعالى ((إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) النساء 48
نقد كتاب ((هزيمة الفكر التكفيري))
وقد وصل إليَّ كتاب بعنوان ((هزيمة الفكر التكفيري)) تأليف خالد العنبري، قال فيه: (فما زال الفكر التكفيري يمضي بقوة في أوساط شباب الأمة منذ أن اختلقته الخوارج الحرورية)
وأقول: التكفير للمرتدين ليس من تشريع الخوارج ولا غيرهم، وليس هو فكرًا كما تقول، وإنما هو حكم شرعي، حَكمَ به الله ورسوله على من يستحقه، بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام القولية أو الإعتقادية أو الفعلية، والتي بينها العلماء في باب أحكام المرتد، وهي مأخوذة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالله قد حكم بالكفر على أناس بعد إيمانهم، بارتكابهم ناقضًا من نواقض الإيمان، قال تعالى ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66))) سورة التوبة، وقال تعالى ((وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ)) التوبة 74.
وقال عليه الصلاة والسلام: ((بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة))، وقال ((فمن تركها فقد كفر))، وأحبر تعالى أن تعلم السحر كفر، فقال عن الملكين اللذين يعلمان السحر ((وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)) البقرة 102.، وقال تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ أمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ أمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً)) النساء 137.
وفرق بين من كفره الله ورسوله وكفره أهل السنة والجماعة اتباعًا لكتاب الله وسنة رسوله، وبين من كفرته الخوارج والمعتزلة ومن تبعهم بغير حق، وهذا التكفير الذي هو بغير حق هو الذي يسبب القلاقل والبلايا من الاغتيالات والتفجيرات، أما التكفير الذي يُبنى على حكم شرعي، فلا يترتب عليه إلا الخير ونصرة الحق على مدار الزمان، وبلادنا بحمد الله على مذهب أهل السنة والجماعة في قضية التكفير، وليست على مذهب الخوارج.
¥