أولهما: أنه ذكر هذا الاستثناء بعد بيان الحالة الثانية مباشرة بحيث لا يتوجه مغزاه إلى الحالة الأولى؛ لأنه قال في آخر الفقرة: ‘‘وأيضا فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك أن يذكر السماعين. فإذا لم يجيء عنه ذكر ذلك حملناه على الزيادة المذكورة.’’، مما يؤكد أن الحالة الأولى على إطلاقها دون استثناء. ولو كان قبول المزيد في جميع الحالات متوقفا على القرائن كمنهج عام لأضاف ابن الصلاح إلى الجملة ما يدل على ذلك، كأن يقول بعدها مباشرة: ‘‘وذلك إذا لم توجد قرينة تدل على كونها وهما’’ مثلا؛ ولذلك نقول إن هذه الجملة الأخيرة تؤكد لنا أن هذا الاستثناء إنما يكون بخصوص الحالة الثانية وحدها، وبالتالي فما ورد في الحالة الأولى يكون على إطلاقه كما أوضحنا آنفا، دون ربطه بالقرائن.
والسبب الثاني: أن ابن الصلاح بصدد الاعتراض على الخطيب البغدادي بقوله ‘‘لأن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إن كان بلفظة ‘عن’ في ذلك، فينبغي أن يحكم بإرساله ويجعل معللا بالإسناد الذي ذكر فيه الزائد لما عرف في نوع المعلل’’؛ وهذا واضح جدا أنه يبني الأحكام في المزيد على ظاهر السند المتمثل في ذكر العنعنة. ولو كان الاستثناء يشمل الحالة الأولى أيضا لما اعترض على الخطيب لكونه قد اعتمد على القرائن في قبوله المزيد ورده.
وأما الحالة الثانية التي يعدها ابن الصلاح ميزانا لقبول السند المزيد واتصال السند الناقص، فإنه لم يستند في ذلك إلا إلى مجرد أن يكون محتملا أن يسمع الراوي ذلك الحديث مرتين؛ مرة بالواسطة وأخرى بدونها، غير أنه استدرك على ذلك بقوله: "اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه وهما"، وبذلك يصبح الأمر في قبول المزيد ورده في الحالة الثانية منوطا بالقرينة، وبالتالي يكون ابن الصلاح موافقا للخطيب في ذلك.
بيد أن أسلوب الاستثناء يوهم أن الأصل الغالب في القبول هو الاعتماد على ظاهر السند دون البحث عن دلالات القرائن وإيحاءات الملابسات؛ حيث قال: ‘‘اللهم إلا أن توجد قرينة على كونه وهما’’؛ إذ يعبر بذلك عادة عن القلة النادرة. ومن المعلوم أن اعتماد القرائن في قبول الزيادات مهما كان موضعها في السند أو المتن هو الأصل الغالب في منهج المحدثين النقاد، وأنهم لا يحيدون عن هذا الأصل إلا في حالات نادرة يصبح فيها الحديث خاليا عن القرائن.
والخلاصة: أن ابن الصلاح لم يحكم على المزيد في السند بأنه مردود مطلقا، بل جعله على التفاصيل التي ذكرها، لكن معظمها تعود إلى ظاهر السند، وبالتالي يصبح ما ذكره هنا من الأحكام متفاوتا عما شرحه في الأنواع السابقة التي تشكل معه وحدة موضوعية، لا سيما في نوع العلة التي أقر فيها ابن الصلاح بأن الحكم قبولا أو ردا في الحديث المخالف أو المتفرد يتوقف على دلالة القرائن والملابسات التي لا ينهض بها سوى نقاد الحديث.
وإن كان نوع "المزيد في متصل الأسانيد" من أنواع الزيادات التي تنبثق عنها حالة المخالفة بين الرواة عموما فإن قبوله ورده يتوقفان على مقتضى القرائن المحتفة بالمزيد، كما هو منهج النقاد في تعاملهم مع هذه الأنواع من الأحاديث، وقد بين ذلك ابن الصلاح في مبحث العلة.
ثالثا: منهج الخطيب في قبول المزيد.
مما لا شك فيه أن الخطيب البغدادي قد انتهج في كتابه: ‘تميز المزيد في متصل الأسانيد’، منهجا مغايرا لما شرحه ابن الصلاح، وهذا واضح جدا من سياق اعتراضه عليه.
وبما أن هذا الكتاب من المخطوطات المفقودة فإنه يصعب علينا التحدث عن المنهج الذي انتهجه الخطيب فيه، لكن من خلال ما ذكره ابن الصلاح يمكن القول: إن منهجه قائم على تتبع القرائن التي تحف بالحديث، وربما لم تكن القرائن في رد المزيد في بعض الأسانيد غير مذكورة في الكتاب.
ولذلك فإنه من الطبعي أن يوجد في تلك المجموعات الحديثية التي ذكرها الخطيب في كتابه "تمييز المزيد" ما أثار الانتباه لدى ابن الصلاح لكون ذلك مخالفا لمقتضى القاعدة التي ذكرها هو في التعقيب.
وبذلك أصبح الفرق بين الأسلوبين واضحا وجليا؛ إذ أسلوب الخطيب مبني على دلالات القرائن، بينما أسلوب ابن الصلاح قائم على ظواهر السند، وبذلك يبقى ما ذكره في التعقيب منسجما مع منهجه العام في معالجة القضايا النقدية كما لمسنا من قبل في الأنواع السابقة.
رابعاً: تأصيل مسألة ‘المزيد في متصل الأسانيد’ وتفصيل أحكامها.
¥