ـ[أبو عبيدة التونسي]ــــــــ[30 - 06 - 09, 05:59 م]ـ
قصيدة بعنوان (عواطف الصداقة):
بعد هجرة الشيخ محمد الخضرحسين من تونس عام 1331هـ بعث إليه صديقه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور وهو كبير القضاة بتونس رسالة مصدرة بالأبيات التالية:
بَعُدْتَ ونفسي في لقاك تصيدُ * فلم يُغِنِ عنها في الحنان قصيد
وخلَّفت ما بين الجوانح غصة * لها بين أحشاء الضلوع وقود
وأضحتْ أمانيْ القرب منك ضئيلةً * ومرُّ الليالي ضعفها سيزيد
أتذكر إذ ودَّعْتنا صبحَ ليلةٍ * يموج بها أنسٌ لنا وبرودُ
وهل كان ذا رمزاً لتوديع أنسنا * وهل بعد هذا البين سوف يعود
ألم ترَ هذا الدهر كيف تلاعبت * أصابعه بالدر وهو نضيد
إذا ذكروا للود شخصاً محافظاً * تجلى لنا مرآك وهو بعيدُ
إذا قيل: مَنْ للعلم والفكر والتقى * ذكرتُك إيقاناً بأَنْكَ فريد
فقل لليالي: جَدِّدي من نظامنا * فحسبكِ ما قد كان فهو شديد
ثم كتب تحت هذه الأبيات: =هذه كلمات جاشت بها النفس الآن عند إرادة الكتابة إليكم، فأبثها على عِلاتها، وهي _ وإن لم يكن لها رونق البلاغة والفصاحة _ فإن الود والإخاء والوجدان النفسي يترقرق في أعماقها+.
ولما وصلت تلك الرسالة إلى الشيخ محمد الخضر حسين أجاب بالأبيات التالية:
أينعم لي بالٌ وأنت بعيد * وأسلو بطيف والمنام شريد
إذا أجَّجتْ ذكراك شوقيَ أُخْضِلَتْ * لعمري بدمع المقلتين خدود
بَعُدْتُ وآمادُ الحياة كثيرةٌ * وللأمد الأسمى عليَّ عهود
بعدت بجثماني وروحي رهينةٌ * لديك وللودِّ الصميم قيود
عرفتُك إذ زرتُ الوزير وقد حنا * عليَّ بإقبال وأنت شهيد
فكان غروبُ الشمس فجْرَ صداقةٍ * لها بين أحناء الضلوع خلود
لقيت الودادَ الحرَّ من قلب ماجدٍ * وأصدق من يُصْفي الوداد مجيد
ألم تَرْمِ للإصلاح عن قوس نافذٍ * درى كيف يُرعى طارفٌ وتليدُ
وقمتَ على الآداب تحمي قديمها * مخافةَ أن يطغى عليه جديد
أتذكر إذ كنا نباكر معهداً * حُميَّاه عِلْمٌ والسقاة أسود
أتذكر إذ كنا قرينين عندما * يحين صدورٌ أو يحين ورود
فأين ليالينا وأسمارها التي * تُبلُّ بها عند الظماء كبودُ
ليالٍ قضيناها بتونسَ ليتها * تعود وجيش الغاصبين طريد