تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قُلْتُ: فَإِذَنْ يَحْيَى بْنُ مَالِكٍ الأَزْدِيُّ أَبُو أَيُّوبَ الْعَتَكِيُّ الْبَصْرِيُّ - كَمَا ظَنَّ الشَّيْخُ، وَالصَّوَابُ بِخِلافِهِ - لَمْ يُوَثِّقْهُ إِلاَّ ابْنُ حِبَّانَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ غَيْرُهُ جَرْحَاً وَلا تَعْدِيلاً،، فَلِمَ حَسَّن حَدِيثَهُ، وَأَيْنَ الْعَمَلُ بِمَا أَصَلَّهُ بِقَوْلِهِ: «تَوْثِيقُ ابْنِ حِبَّانَ لا يُعْتَمَدُ لأَنَّهُ مُتَسَاهِلٌ»!!.

وَقَدْ افْتَتَحْنَا هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ بِقَوْلِنَا: «قد سَلَكْنَا عَلَى الإِنْصَافِ قَصْدَ السَّبِيلِ، وَلا بِدْعَ فِي أَنْ يُعْطَى الْمَحْبُوبُ حُكْمَ السَّغَبِ وَالتَّبْتِيلِ». وَمِنَ الإِنْصَافِ، بَلْ كَمَالِ التَّعَقُّلِ: الانْكِفَافُ عَنِ الأَحْكَامِ الْخَاطِئَةِ فِي حَقِّ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الْعَارِفِينَ بِأَسْبَابِهِ وَشَرَائِطِهِ، وَأَبُو حَاتِمٍ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ رُفَعَائِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ، فَهُوَ أَحَدُ أَوْعِيَةِ الْعِلْمِ، وَبُحُورِ الْمَعْرِفَةِ بِفُنُونِ الْحَدِيثِ، وَصَاحِبُ التَّصَانِيفِ الَّتِي لَمْ يُصَنَّفْ مِثْلُهَا، فَهِيَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْصِفُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ: «وَمِثْلُ هَذِهِ الْمُصَنَّفَاتِ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكْثُرَ بِهَا النَّسْخُ، وَيَتَنَافَسَ فِيهَا أَهْلُ الْعِلْمِ، وَيَكْتُبُوهَا، وَيُجَلِّدُوهَا احْرَازَاً لَهَا»، وَتَرْجَمَةُ هَذَا الإِمَامِ الْحُجَّةِ ضَافِيَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ يَضِيقُ الْمَقَامُ هَاهُنَا عَنِ اسْتِيفَاءِهَا.

وَإِنَّمَا الْقَصْدُ الانْتِصَافُ لِهَذَا الْعَلَمِ الْحُجَّةِ مِنَ أَصَاغِرِ الْمُتَعَلِّمِينَ، الَّذِينَ أَقْحَمُوا أَنْفُسَهُمْ فِى مَيْدَانِ تَحْقِيقِ الأَخْبَارِ وَتَخْرِيْجِهَا، وَيَتَنَاوَلُونَهُ وَيُزْلِقُونَهُ بِأَلْسِنَةِ أَقْلامِهِمْ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ الشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ عَفَا اللهُ عَنْهُ الْمُتَكَرِّرِ فِى مُصَنَّفَاتِهِ: «ابْنُ حِبَّانَ مُتَسَاهِلٌ فِى التَّوْثِيقِ، وَكَثِيْرَاً مَا يُوَثِّقُ الْمَجَاهِيلَ»!!.

وَقَدْ صَحَّ وَاسْتَفَاضَ: احْتِجَاجُ إِمَامِ الأَئِمَّةِ الْمُعَدِّلِينَ مَالِكِ بْنِ أنسٍ بِعَشَرَاتٍ مِنْ الْمَجَاهِيلِ وَالْمَجْهُولاتِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَوْسَاطِهِمْ (1)، فَقُلْ عَنْهُ كَمَا قُلْتَ عَنِ ابْنِ حِبَّانَ، وَعِبْهُ بِمَا عِبْتَهُ بِهِ، فَهَذَا يُصَحِّحُ لِلْمَجَاهِيلِ، وَهَذَا يُوَثِّقُهُمْ. وَكَمَا سَتَقُولُهُ عَنْهُمَا، فَقُلْهُ كَذَلِكَ عَمَّنْ جَرَي مَجْرَى مَالِكٍ فِي تَصْحِيحِ أَحَادِيثِ الْمَجَاهِيلِ وَالْمَجْهُولاتِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَوْسَاطِهِمْ، بَدْءَاً بِالشَّيْخَيْنِ: الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَانْتِهَاءَاً بِالْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ، وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ، وَهَؤُلاءِ كَثِيْرُونَ لا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَقُلْهُ كَذَلِكَ عَنِ الإِمَامَيْنِ الْفَحْلَيْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، فَقَدْ وَثَّقَا جَمَاعَةً مَعَ مَا فِيهِمْ مِنَ الْجَهَالَةِ!!.

فَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي إِعْتَابِ الْمُحَقِّقِينَ الْمُنْصِفِينَ، وَنُصْحِهِمْ بِالانْكِفَافِ عَنْ مُتَابَعَةِ الأَحْكَامِ الْمُتَعَسِّفَةِ فِي حَقِّ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَعَنْ تَرْدِيدِ هَذِهِ الْمَقَالاتِ الْخَاطِئَةِ: «التِّرْمِذِيُّ مُتَسَاهِلٌ فِي التَّصْحِيحِ وَالتَّحْسِينِ»، «ابْنُ حِبَّانَ مُتَسَاهِلٌ فِى تَوْثِيقِ الْمَجَاهِيلِ»، «الطَّبَرِيُّ مُتَسَاهِلٌ فِي التَّصْحِيحِ نَحْوُ تَسَاهُلِ ابْنِ حِبَّانَ»، «لا عِبْرَةَ بِتَوْثِيقِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْعِجْلِيِّ»!.

كَفَى يَا قَوْمِ خَطَأً وَافْتِرَاءَا ... وَقُولُوا الْحَقَّ وَالْتَزِمُوا الصَّوَابَا

فَلَيْسَ بِعَادِلٍ مَنْ لا يُبَالَي ... أَأَخْطَأَ فِي الْحُكُومَةِ أمْ أَصَابَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير