والطريق الثاني: أن يغلب على ظنه عدم البقاء إلى آخر الوقت، فإذا غلب على ظنه طروء مانع من الفعل في أثناء الوقت فإنه يلزمه فعل الواجب الموسع الآن أي في أول وقته، وذلك لأنه مأمور بهذا الواجب وقد غلب على ظنه وجود المانع منه في أثناء الوقت فوجب عليه المبادرة بإبراء ذمته وفعل الواجب في وقت الإمكان وغلبت الظن في ذلك كافية لأن غلبة الظن منزلة منزلة اليقين وقد تقرر في القواعد أن غلبة الظن كافية في العمل، وعلى ذلك عدة أمور:
الأول: من حكم عليه بالقتل في أثناء وقت الصلاة، فإنه يجب عليه أن يؤدي هذه الصلاة قبل حلول ذلك الوقت أي قبل حلول وقت التنفيذ ولو خالف وأخر الصلاة وقتل ولم يصل فإنه يموت عاصياً.
الثاني: لو علمت المرأة أو غلب على ظنها أن الحيض سيأتيها في أثناء وقت هذه الصلاة المعنية فإنه يجب عليها المبادرة بالصلاة في أول وقتها ولا يجوز لها حينئذٍ التأخير والحالة هذه، لأن المكلف إذا غلب ظنه وجود المانع وجب عليه المبادرة بالواجب في وقت السعة والإمكان.
الثالث: الطبيب الذي سيجري عملية في أثناء الوقت ويعلم أو يغلب على ظنه أنه لن يفرغ منها إلا بخروج الوقت فإنه يجب عليه المبادرة إلى أداء الصلاة في أول وقتها لأنه يغلب على ظنه وجود المانع، فتكون هذه الصلاة في حقه من الواجب المضيق.
الرابع: إذا أفاق المغمى عليه في أول وقت الصلاة ويعلم أو يغلب على ظنه أنه سيعاوده الإغماء في الوقت ولن يمكنه من أداء الصلاة فإنه يجب عليه وجوب عين أن يصلي بعد إفاقته من الإغماءة الأولى لأنه غلب على ظنه وجود المانع، فيكون الواجب الموسع في حقه في هذه الحالة واجباً مضيقاً.
الخامس: إذا علم مريض الكلى أو غلب على ظنه أن مدة تغسيل الكلى سوف يمتد زمنه إلى خروج الوقت، وأراد الغسيل وقد دخل وقت الصلاة فإنه يجب عليه وجوب عين أن يؤدي الصلاة الآن في أول وقتها لأنه يغلب على ظنه وجود المانع فينقلب الواجب الموسع في حقه مضيقاً.
السادس: المريض الذي ستجرى له عملية، وقد دخل عليه الوقت فإنه يجب عليه وجوب عين أن يؤدي صلاة ذلك الوقت في أول وقتها، أعني إذا كان وقت العملية سيستغرق الوقت أو علم أنه لن يفيق من التخدير إلا بعد فوات الوقت فإنه يجب عليه الصلاة الآن في أول الوقت، فوقت هذه الصلاة يتضايق في حق هذا الرجل والله أعلم.
السابع: من وجب عليه حضور المعركة للجهاد، ويعلم أنه إن دخل في صف القتال فإنه لن يستطيع الخروج منه للصلاة، وقد دخل عليه وقت الصلاة قبل حضور الصف فإنه في هذه الحالة يجب عليه وجوب عين أن يؤدي هذه الصلاة في أول وقتها لأنه لا يزال في سعة من أمره، وقد علم أو غلب على ظنه وجود المانع له من الأداء لو أخر الصلاة عن أول وقتها، فتنقلب هذه الصلاة في حق هذا الرجل من الواجب الموسع إلى الواجب المضيق.
الثامن: لقد قرر الفقهاء رحمهم الله تعالى أن وقت طواف الإفاضة وقت موسع فيبدأ من منتصف ليلة العيد إلى مدة حياته، هكذا قالوا، وإن كان في النفس منه شيء لكن أقول: على قولهم هذا فإن هذا الوقت ينقلب من كونه موسعاً إلى كونه مضيقاً في حالة ما إذا علمت المرأة أن الحيض سينزل عليها في أيام التشريق مثلاً وإذا سافرت فإنه يغلب على ظنها أنها لن تستطيع العودة ويغلب على ظنها أيضا أنها لا تستطيع البقاء إلى أن تطهر ففي هذه الحالة يجب عليها أن تطوف طواف الإفاضة قبل حلول الوقت الذي غلب على ظنها أنها ستحيض فيه، لأنها لو لم تطف الآن وحصل المانع فإنها لن تتمكن من الطواف وهو من فروض الحج وأركانه ولا يتم الحج إلا به فأي سبب يؤدي إلى تضييعه فإنه يحرم، ومن أسباب تضييعه تأخيره في هذه الحالة، فيجب عليها الطواف من حين حلول وقته فصار الواجب الموسع في حقها مضيقاً لأنه على يغلب على ظنها وجود المانع من الطواف بالتأخير والله أعلم فهذه بعض الأمثلة لتوضيح هذه المسألة, والخلاصة: أن الواجب الموسع ينقلب مضيقاً في حالتين:
الأولى: إن لم يبق من وقته إلا بمقدار فعله فقط.
الثانية: أن يغلب على ظنه وجود المانع في أثناء الوقت والله ربنا أعلى وأعلم.
المسألة الثالثة: وأما قوله: ما شروط تأخيره عن أول وقته؟
فأقول: اشترط الأصوليون لجواز تأخير الواجب الموسع عدة شروط:
¥