تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا يمنع من ذلك، فلا يقال إنه حرم عليه خدمة الرجلين لأنه صرح بـ (أو) المفيدة للتخيير، ولا يقال: إنه منعه من خدمة الرجلين لأنه أمره بخدمة أحدهما، ولا يقال: إنه أمره بخدمة واحد بعينه لأنه قال: زيد أو عمرو فلم يبق إلا أن يقال: إنه منعه من خدمة واحدٍ لا بعينه فهذا هو ما نعنيه بقولنا (المحرم المخير) فهذا وجه الجواز العقلي، وأما القياس فبيانه أن يقال: إننا قررنا سابقاً جواز الواجب المخير أي إيجاب واحدٍ لا بعينه، وذكرنا هناك أنه واقع شرعاً وضربنا لك أمثلة كثيرة على ذلك فكما أنه جاز شرعاً إيجاب واحد لا بعينه، فكذلك يجوز تحريم واحد لا بعينه ولا فرق بينهما، فهناك خير في فعل أحدهما، وهناك يخير في ترك أحدهما، وهذا قياس صحيح مستوفٍ لكل أركانه وقد تقرر في الأصول أن القياس الصحيح حجة، فهذا بالنسبة لدليل القياس، وأما الوقوع الشرعي فهو أصل الأدلة في إثبات المحرم المخير وهو ما سيأتي من الفروع، وليست فروع هذه المسألة بالكثيرة وقد نقشت بعضها بالمنقاش ولم تسعفنا كتب الأصول بكثير من الفروع في هذه المسألة وإنما هو فضل الله تعالى وتوفيقه وفتحه فأقول وبالله التوفيق ومنه أستمد الفضل والعون:

فمن الفروع: تحريم إحدى الأختين لا بعينها، فإن الإنسان إذا أراد أن ينكح من بيت فيه عدة أخوات، فإنه لا يحل منهن إلا واحدة والبواقي حرام عليه، لكن أين المحرمات بأعيانهن؟ لا شك أنها غير معلومة وإنما هو متروك لاختيار المكلف فإذا نكح واحدة منهن فإنه اختار تحريم البواقي على نفسه وهذه التي نكحها لو أنه تركها ونكح أختها لكانت هي الحرام عليه، قال تعالى في سياق المحرمات من النساء ?وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ? فالتحريم غير معلوم لنا إلا لما نكح واحدة منهن، فإحداهن حرام لا بعينها لكنه عين المحرمة بنكاح أختها وهذا واضح إن شاء الله تعالى.

ومنها: من المعلوم المتقرر شرعاً أن الجمع بين البنت وعمتها أو خالتها حرام على الإنسان، فإذا خير الإنسان بين نكاح بنتٍ أو عمتها، أو بنت أو خالتها فإحداهن حرام عليه بلا شك إلا أن هذه المحرمة لم تتبين عينها بعد، والتحريم متروك له فإن نكح البنت فإنه اختار تحريم عمتها وخالتها، وإن نكح العمة أو الخالة فإنه قد اختار تحريم البنت وهذا هو الحرام المخير، فليس كلهن حرام، وليست إحداهن حرام بعينها إلا لما نكح واحدة منهن، فبنكاحه لإحداهن تبينت لنا من المحرمة وفي الحديث» لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها «وقد تقدم قبل قليل.

ومنها: إذا أسلم رجل ونساؤه وكان تحته أكثر من أربع نسوه ولنقل مثلاً تحته ثمان نسوة، فإنه يحرم عليه منهن أربع بلا شك، ولكن أين أعيان هذه المحرمات؟ بالطبع غير معلوم وهذا متروك لاختياره هو فإذا اختار منهن أربعا صار البواقي عليه حرام أي أنه باختياره لأربع منهن قد اختار لنفسه تحريم البواقي، وهذا هو الحرام المخير وعلى ذلك حديث فيروز قال أبو داود في سننه:- حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا وهب بن جرير عن أبيه، قال سمعت بن يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: قلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان فقال» طلق أيتهما شئت «"حديث حسن" وقال أيضاً حدثنا مسدد قال حدثنا هشيم (ح) وحدثنا وهب ابن بقية قال أخبرنا هشيم عن أبن أبي ليلى عن حميضة بن الشمردل عن الحارث ابن قيس قال مسدد:- ابن عميرة، وقال وهب:- الأسدي قال:- أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك للنبي ? فقال عليه الصلاة والسلام» اختر منهن أربعاً «"حديث صحيح" ووجه الدلالة منه واضحة والله أعلم.

ومنها: إذا اضطر الإنسان إلى الأكل من الميتة وكان عنده ميتتان يكتفي بإحداهما، فإن واحدة منهن حرام لا بعينها والتحريم متروك لاختياره، فإن أكل من هذه صارت الثانية عليه حرام وإن أكل من الثانية صارت الأولى عليه حرام فتحريم إحداهما متروك لأكله من إحداهما وهذا هو الحرام المخير والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير