تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التحريم إلى الكراهة وستأتي زيادة أمثلة إن شاء الله تعالى على ذلك عند الكلام على النهي ودلالته بحول الله وقوته.

الثاني: مما تستفاد منه الكراهة: أن يشغل الفعل عما هو أنفع منه، فكل فعل أشغل العبد عن ما هو أنفع منه فإن هذا الفعل مكروه، وقد نص على ذلك أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى، ولم أره منصوصاً عليه في مبحث الكراهة من كتب الأصول على حسب إطلاعي القاصر، وبيانه أنه يقال: إن المقصود من العبادات تحصيل المصالح ودفع المفاسد، والمصالح المطلوبة ليست على درجة واحدة فلهذا بَيَّن شيخ الإسلام أن العبادة إذا أضعفت الإنسان عن الاشتغال بما هو أصلح له فإنها تكون مكروهة في حقه، وكذلك إذا أوقعه فعلها في مكروه فإنها تكون مكروهة، وهذه الكراهة نسبية، أي تختلف من أحدٍ إلى آخر، قال أبو العباس رحمه الله تعالى (متى كانت العبادة توجب له ضرراً يمنعه عن فعل واجب أنفع له منها كانت محرمة وأما إذا أضعفته عما هو أصلح منها وأوقعته في مكروهات فإنها تكون مكروهة) ا. هـ.

قلت: ومأخذ هذا الكلام يعرف من النظر في مقاصد الشريعة ومراعاتها للمصالح والمفاسد، ويمثل له بالصيام في حال الجهاد فإذا كان الصوم في حال الجهاد يوجب ضعف المجاهدين عن كمال مراتب الجهاد فإنه يكره في حقهم والأفضل لهم في هذه الحالة الفطر، قد أفتى أبو العباس رحمه الله تعالى بالفطر في رمضان في بعض الغزوات التي خاضها ضد التتر، ويمثل له أيضاً بكراهة السهر في طلب العلم أو قراءة القرآن ونحو ذلك إذا أضعفت الإنسان عن القيام لصلاة الفجر، أما إذا علم من نفسه أنه بهذا يفوت الصلاة فالسهر محرم لأن ما أفضى إلى الحرام فهو حرام، ويمثل له أيضاً بكثرة صيام التطوع إذا ضعف الرجل عن كمال معاشرة أهله، وفي الحديث» إن لأهلك عليك حقاً «وهذا كله من باب مراعاة المصالح والمفاسد، ويمثل له أيضاً بكثرة الضحك التي تضعف القلب عن كمال سيره إلى الله تعالى، فإن كثرة الضحك مما يميت القلب أو يضعفه، وغير ذلك من الأمثلة، فمتى كان الاشتغال بالشيء مضعفاً للعبد عن ما هو أصلح له منه فإن هذا الشيء في حق هذا الرجل مكروه لأن الاشتغال بالمفضول عن الفاضل مكروه والله أعلم.

الثالث: مما تعرف الكراهة مخالفة السنة الراتبة، وبيان بذلك أن يقال: إن من السنن ما هو راتب قد داوم عليه النبي ? ولم يرد عنه ? أنه تركها ولو لمرة واحدة لبيان أنها ليست براتبة، ومن السنن ما ليس براتب بحيث أنه قد ورد عنه ? عدم المداومة عليها، فما كان من القسم الأول فإن تركه يعد من المكروهات أي من ترك شيئاً من السنن الراتبة فإنه يكون بذلك قد فعل مكروهاً واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وأما ترك شيء من القسم الثاني فلا يعد تركه مكروهاً بل السنة تركه أحياناً حتى لا يصف مصاف السنن الراتبة المؤكدة، فمن رأيته قد ترك شيئاً من السنن الراتبة فقل له: إنك بهذا الترك قد فعلت مكروهاً، ويمثل لهذا بترك قراءة شيءٍ زائد على الفاتحة في الركعتين الأوليين، فإنك تعرف أن قراءة الفاتحة ركن، وأما قراءة ما زاد عليها فإنه سنة مؤكدة، بل قال بعض أهل العلم بالوجوب، ولكن الصحيح أنه سنة مؤكدة لا ينبغي الإخلال بها، فإذا أخل بها فإنه يكون بذلك قد فعل مكروهاً، والضابط في ذلك يقول (الإخلال بالسنة الراتبة مكروه) ويمثل له أيضاً بالوتر فإنه من السنن على القول الصحيح التي لم يتركها النبي ? لا حضراً ولا سفراً، حتى لما فاته ورده من الليل قضاه ? من النهار شفعاً، فالوتر سنة مؤكدة فيكون تركه مكروهاً، لأن الإخلال بالسنة الراتبة مكروه، ويمثل له أيضاً بعقد الإحرام قبل الميقات المكاني، فإنه مكروه، لأن السنة الثابتة المنقولة عن النبي ? في عُمَرِهِ وحجته أنه لم يكن يحرم إلا من الميقات، ولم ينقل عنه ? الإحرام قبل الميقات المكاني ولا مرة واحدة، وبناءً عليه فمن أحرم قبل المواقيت المكانية فإنه يكون بذلك قد فعل مكروهاً لأن الإخلال بالسنة الراتبة مكروه، قال أبو العباس (فقد واضب النبي ? على الإحرام من الميقات فمخالفته في ذلك مكروهة) ا. هـ. ويمثل له أيضاً بالقصر في السفر، فإنه هديه الراتب ? في السفر قصر الرباعية لركعتين، ولم يثبت عنه ? في حديث واحد أنه أتم في شيءٍ من أسفاره، وقد اختلف أهل العلم في القصر هل هو واجب أم سنة؟ على أقوال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير