تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قوتلتم لننصركم والله يعلم إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لاينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لاينصرون [الحشر:11 - 12] فهكذا هي أفعالهم يوالون الكافرين ويطيعونهم وينصرونهم على المسلمين في حال حربهم، ولكنهم جبناء لا يثبتون في معمعات المعارك، فعند الجد والقتال لاينصرون الكفار، بل يولون الأدبار خاذليهم فهم جبناء رعاديد، ومن صفاتهم أنهم يكثرون الإدعاء بأنهم مؤمنون بالله وبالرسول ومطيعون الله وللرسول مع إنهم كاذبون في ادعائهم، ودليل ذلك إعراضهم عن الاحتكام الى الله ورسوله كلما دعوا اليه قال الله تعالى: ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين واذا دعوا الى الله ورسوله لحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم إرتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون [النور:47 - 50].

هذه هي بعض صفات المنافقين أولياء الشيطان وأنصار الكفر والطواغيت فالحذر الحذر منهم ومن فعالهم ومقالهم والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم.

الخطبة الأولى

أما بعد: إن الله تبارك وتعالى صنف عباده في أول سورة البقرة إلى مؤمنين وكافرين ومنافقين، وأنزل في ذلك عشرين آية في أول هذه السورة.

منها ثلاث آيات في وصف المؤمنين وآيتان في وصف الكافرين، وثلاث عشرة آية في وصف المنافقين، بين فيها أحوالهم وكشف أسرارهم وصور طبائعهم ونفسياتهم وطريقة تفكيرهم ومنطقهم.

وقد تحدث القرآن عن المنافقين في مواضع كثيرة. وفي سور عديدة وأكثر ما تحدث عنهم في سورة التوبة حتى سميت الفاضحة لأنها فضحت المنافقين وكشفت أحوالهم وبينت أسرارهم ودواخلهم وخططهم ثم فرغت سورة بأكملها للمنافقين كشفت أيضًا أسرارهم وأساليبهم وبينت شيئًا من خططهم سميت سورة المنافقين كل هذا لتحذير المجتمع المسلم من خطر هذا العدو الهدام الذي يحاربهم من داخلهم، ويسعى إلى تدميرهم خلسة وخفية حتى لا تراه الأعين ولكن يجب أن تكتشفه البصائر، إن أهم سمة وأخطر صفة لهذا العدو الهدام المدمر هي صفة الخفاء فهو خلال المجتمع المسلم، داخل خلال المجتمع المسلم، يظهر التعاطف معهم ويخفي كفره وعداوته معه في باطنه، فالمكر والخداع والكذب هي أساليبه وأدواته لكن إذا سنحت الفرصة ووجد ثغرة ينفذ منها لضرب المسلمين فإنه يكون حينئذ أشد قسوة ووحشية ونكاية للمؤمنين من أي عدو مجاهر، كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون [التوبة:8].

إن قدرة المنافقين على التحرك في الخفاء وسعيهم لتدمير المجتمع المسلم من داخله جعل خطرهم أشد وأعظم وأنكى من خطر العدو المجاهر الكافر المعلن لكفره ولعداوته لأن أمر العدو الكافر المجاهر واضح للعيان فيأخذ المسلمون حيطته منه واستعدادهم له بخلاف هذا العدو الهدام الخفي المتسلل بين صفوفنا بخلاف المنافقين، وقد تسللوا إلى داخل المجتمع المسلم وتشكلوا بشكله وتصوروا بصورته، فإنهم كإبليس وجنوده يروننا من حيث ما نراهم، وقد نغتر بظواهرهم ونركن إليهم ونسند إليهم بعض شئوننا يديرونها ونسلم إليهم بعض أمورنا يدبرونها، وربما فعلنا أكثر من ذلك.

إذا كانت الغفلة فينا نحن المسلمين مستحكمة ربما اتخذناهم بطانة نأتمنهم على أسرارنا ونسلطهم على دواخلنا وفي ذلك الخطر كل الخطر وأعظم من هذا خطرًا إذا تمكن هؤلاء المنافقون من التقرب من ولاة المسلمين وأمرائهم وحكمائهم ونالوا الحظوة لديهم وأصبحوا من أعوانهم المقربين، وقد يُسندون إليهم أشد الأعمال خطرًا وشأنًا وأعظمها وأهمها شأنًا فيضطلع هذا العدو الخفي الهدام على أسرار المسلمين ويكتشف مكامنهم ومداخلهم ونقاط الضعف فيهم، حتى إذا جاءت الفرصة وفار التنور أنشبوا أظافرهم ومخالبهم وكشروا عن نابهم.

والله تبارك وتعالى من رحمته بعباده المؤمنين ولطفه بهم ورعايته لهم حذرهم من هذا العدو الخفي المدمر، حذرهم من المنافقين ومن اتخاذهم بطانة والركون إليهم والانخداع بظواهرهم، حذرنا نحن المؤمنون من ذلك أيما تحذير، إنه تحذير مفصل واضح كالشمس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير