قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم أي من أهل ملتكم ممن يخالفونكم في الدين ويناصبونكم العداوة ولو في بواطنهم لا يألونكم خبالاً أي لا يترددون في تدميركم وإلحاق الأذى والضرر بكم بكل وسيلة ممكنة لهم ودوا ما عنتم ما يشقيكم ويتعبكم ويربيكم ويرهقكم يسرهم يودون ذلك ويحبونه ويسعون إليه قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون [آل عمران:118].
إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا إن الله بما يعملون محيط [آل عمران:120].
إن اتخاذ البطانة من هؤلاء الكافرين ممن هو دوننا من أهل ملتنا ممن يفارقوننا في الدين وإن أخفوا ذلك في بواطنهم وهم يظهرون لنا حلاوة اللسان ولين الجانب والتفاني في إرضائنا وخدمتنا والسعي لإجابة أهواءنا وخدمة شهواتنا، إن اتخاذ البطانة من هؤلاء المنافقين كان من أكبر الأسباب والعوامل لتدمير الدول الإسلامية في الماضي بل ولحلول الكوارث والنكبات العظيمة على المجتمع المسلم كله.
عندما غفل المسلمون حكامًا ومحكومين عندما تحكمت فيهم شهواتهم فحجبت عقولهم وبصائرهم من هذا الجانب الخطير، فركنوا إلى من هو دونهم من غير أهل ملتهم واستخدموهم واستعانوا بهم واتخذوا البطانات منهم فحلت الكوارث وانهارت الدول بينما الصدر الأول أصحاب رسول الله كانوا متيقظين أشد التيقظ لهذا الجانب، فلم يكونوا يسمحون أبدًا بأي ثغرة ينفذ منها أحد ممن هو دونهم من غير أهل ملتهم من المنافقين من هذا العدو الخفي الهدام، ما كانوا يسمحون أبدًا لهذا العدو الخفي الهدام أن ينفذ في مجتمعهم ويتسلل خلال صفوفه.
روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وكان قد ولاه الفاروق عمر بن الخطاب ولاه على البصرة أميرًا، يروي أبو موسى الأشعري فيقول قلتُ لعمر يا أمير المؤمنين: إن لي كاتبًا نصراني فرفع عمر يده وضرب بها على فخد أبي موسى حتى كاد يكسرها وقال له: مالك قاتلك الله، أما سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم، قال أبو موسى يا أمير المؤمنين: لي كتابته ولهم دينهم، فقال عمر: لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم وأقربهم إذ أبعدهم وأقصاهم الله.
وكتب عمر بعد ذلك إلى سائر ولاته وأمراءه وعماله يقول: أما بعد فإن كان لكم قبله له كاتب من المشركين فلا يعاشره ولا يؤازره - أي لا يتخذه وزيرًا أو مستشارًا - ولا يجالسه ولا يعتضد برأيه.
وكان لعمر الفاروق رضي الله عنه عبد نصراني فقال له عمر: أسلم فإنا نريد أن نستعين بك على بعض أمور المسلمين وما ينبغي لنا أن نستعين على أمورهم بمن ليس منهم فأبى العبد النصراني أن يسلم فأعتقه عمر وقال: له اذهب حيث شئت.
ولمّا ولى الفاروق عمر رضي الله عنه أبا هريرة أميرًا على البحرين كتب له كتابًا ضمن فيه تعليمات عظيمة ما أعظمها وما أهمها لكل والٍ وأمير من المسلمين وكان مما جاء في تلك التعليمات أن قال فيها كتابه: عُد مرضى المسلمين وأشهد جنائزهم وافتح بابك وباشرهم وابعد أهل الشر عنهم وأنكر أفعالهم ولا تستعن على أمر من أمور المسلمين بمن ليس منهم وباشر مصالحهم بنفسك فإنما أنت رجل منهم غير أن الله جعلك حاملاً لأثقالهم.
والأصل في هذه التعليمات العمرية الإسلامية المشددة في منع المسلمين وخاصة منع ولاتهم وأمراءهم من الركون لغير أهل ملتهم من استخدام الكافرين واستعمال المشركين، الأصل في ذلك الآية التي ذكرها عمر بنفسه رضي الله عنه لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء [المائدة:51]. وقوله تعالى: لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً [آل عمران:118].
وكذلك قول سيدنا رسول الله: ((إنا لا نستعين بمشرك)) [1] ولكن عندما غفل المسلمون حكامًا ومحكومين في بعض العصور السابقة عن هذا المبدأ الهام وركنوا إلى أعدائهم بل واستخدموهم واستعملوهم واتخذوهم بطانة حلت الكوارث العظيمة على مجتمع المسلمين وهذا ما سنتحدث عنه إن شاء الله في الجمعة القادمة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون [التوبة: 67].
¥