وقوله تعالى: مأواكم النار هي مصيركم وإليها منقلبكم، وقوله تعالى: هي مولاكم أي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم وبئس المصير، ثم قال عز وجل: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون [الحديد:16].
يقول تعالى أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه، عن ابن عباس قال: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن فقال: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ثم قال عز وجل: ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى؛ لما تطاول عليهم الأمد بدلوا كتاب الله الذي بأيدهم، واشتروا به ثمنا قليلا، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة والأقوال المؤتفكة. وقلدوا الرجال في دين الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، فعند ذلك قست قلوبهم، فلا يقبلون موعظة، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد، وكثير منهم فاسقون أي في الأعمال، فقلوبهم فاسدة وأعمالهم قاسية، كما قال تعالى: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به [المائدة:13]. ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية، ثم قال عز وجل: اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون [الحديد:17].
فيه إشارة إلى أن الله عز وجل يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحيارى بعد ضلتها، ويفرج الكروب بعد شدتها، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتال الوابل، كذلك يحيي القلوب ببراهين القرآن والدلائل، ويولج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال، والمضل لمن أراد بعد الكمال، الذي هو لما يشاء فعال، وهو الحكيم العدل في جميع الفعال، اللطيف الخبير الكبير المتعال
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ...
أما بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى.
معاشر المسلمين، سبق حديث عن المنافقين وخطرهم، وكثرتهم، وبلية الإسلام بهم، ومحنة المسلمين معهم، وانخداع البعض بهم.
وفي هذا اليوم يدور الحديث عن سماتهم، وصفاتهم، وملامحهم، في الكتاب والسنة.
إخوة الإسلام، والحديث عن صفات المنافقين في كل زمان ومكان يكشف لنا طرفاً من إعجاز القرآن الكريم حيث فضح السابقين منهم رغم خفائهم وتسترهم بنفاقهم.
وبقيت آيات القرآن بين أيدينا وفي صدورنا هاديةً لمعرفة المنافقين في كل زمان ومكان، ولا يزال المؤمنون يدركون عظمة القرآن كلما أطل النفاق برأسه، وبرزت طوائف من المنافقين.
نعم أيها المسلمون، ليست حركة النفاق قصةً ماضية ولكنها حقيقةٌ باقية، اختلفت وسائلها وتعددت مسمياتها واتحدت أهدافها وسماتها، قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: النفاق في عهد رسول الله هو الزندقة فينا اليوم.
ويقول ابن تيمية رحمه الله: والمنافقون ما زالوا ولا يزالون إلى يوم القيامة.
أيها المسلمون، والصفات الواردة في القرآن الكريم عن المنافقين نجدها بكثرة في مجتمعنا المعاصر، ولا يجد المرء عناء في التمثيل من الواقع على هذه الصفات، ولكن هذا لا يعني تعميم الحكم بالنفاق على كل من وجدت فيه تلك الصفات؛ ذلك أن النفاق شعب وأنواع، كما أن الكفر شعب وأنواع، فكذا من كان متهماً بنفاق، فهم على أنواع متعددة كما وضحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قوله: ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعاً واحداً، بل فيهم المنافق المحض، وفيهم من فيه إيمان ونفاق، وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق.
إخوة الإسلام، ومن يُذكر في هذا العصر بصفة من صفاتهم فلا يعني ذلك حكماً عليه بل أمره إلى الله، ولا يعامل في هذه الدنيا إلا بالظاهر.
¥