تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنه لَنَمُوذَجٌ للمسلم المتجرد الطائع، وإنها لروعة تواجه القلب، روعة الإيمان في قلب، ذلك الابن المؤمن حقًا، بينما نجد على النقيض والعكس من ذلك في أبيه رأس المنافقين من زمن رسول الله وفي أمثاله إلى قيام الساعة. ذلك الموقف، موقف الرجل المؤمن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول وهو يأخذ بسيفه في مدخل المدينة على أبيه، فلا يدعه يدخل ليعلم الناس أن رسول الله هو الأعز وأن أباه هو الأذل، ألا إنها قِمَّةٌ سَامِقَةٌ تلك التي رفع الإيمان إليها أولئك الرجال، رفعهم إلى هذه القمة وهم بشر، بهم ضعف البشر، وعواطف البشر، وهذا هو أجمل ما في هذه العقيدة حين يدركها المسلمون على حقيقتها، وحين يصبحون هم حقيقتها التي تَدبُّ على الأرض، تدعو إلى الإسلام وتطبقه وتعمل به قولاً وعملاً في كل شؤون الحياة.

الخطبة الثانية

الحمد لله كتب العزة للمؤمنين والذلة على المنافقين، يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو العزيز الحكيم، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.

أما بعد: فإن المنافقين في أي زمان ومكان لهم صفات وعلامات عُرِفُوا بها، والخطبة القادمة إن شاء الله لبيان علاماتهم التي يُعْرَفُون بها، أما هنا فأقتصر على بيان خطة عرفوا بها كما ورد في السورة، تلك الخطة التي يتجلى فيها خُبْثُ الطَّبْعِ وخِسَّةُ المشاعر، تلك هي خطة التجويع التي يبدو أنهم يتواصون بها على مَرِّ العصور هم والكفار، وذلك لمحاربة أهل الإيمان، فهذه الطريقة عملتها قريش وهي تقاطع بني هاشم في الشعب لينفضُّوا عن نصرة رسول الله ويُسْلِمُوهُ للمشركين، وهي كذلك طريقة المنافقين كما وردت في القرآن الكريم من أجل أن ينفضَّ أصحابُ رسولِ اللهِ عنه ويتفرقوا تحت وطأة الضيق في العيش والجوع، قال تعالى: هُمُ ?لَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَى? مَنْ عِندَ رَسُولِ ?للَّهِ حَتَّى? يَنفَضُّواْ [المنافقون: 7].

وتلك الطريقة نفسها يستعملها المنافقون والفاسقون في هذا الزمان مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ لحربِ المؤمنين وإيذائهم والتضييق عليهم في معيشتهم وإشغالهم بالبحث عن لقمة العيش، ويستعملها مع كل أسف أصحاب المناصب السياسية في البلاد المنتسبة للإسلام لإشغال شعوبهم بالبحث عن موارد لمعيشتهم ليصرفوهم إلى عدم التفكير في غيرها مما هم عليه من أمور يحسبون أن غفلة البشر عنها وعدم علمهم بها تُعْفِيهِمْ عن السؤال ومِنْ ثَمَّ العقاب يوم الحسرة والندامة، وجَهِلُوا أو تجاهلوا أنهم موقوفون ومسؤولون يوم القيامة عن شعوبهم ومن تحت رعايتهم ومسؤوليتهم عن عدم تأمين العيش الكريم لهم وإبعادهم عن الطرق المحرمة التي تلجئهم إلى تأمين ما يحتاجونه في حياتهم، ومن تلك الطرق المحرمة التي يلجؤون إليها السرقات والمتاجرة بالمخدرات والمحرمات، وأقلُّهم من يعمل في المؤسسات الربوية إنْ وَجَدَ له عملاً فيها مع أنه يتعذر على كثير من الشباب الحصول على وظيفة حتى في هذا المجال، والواجب على من ولاه الله شيئًا من أمور المسلمين في أيّ منصب كان وفي جميع بلاد المسلمين أن يتنبه لخطورة الموقف والأوضاع الراهنة ويتصوّر اتساع الخرق على الراقع في الأيام القادمة وأن يعمل في زمن المهلة على ما يُخَلِّصُهُ من ذلك الموقف الرهيب يوم القيامة لينجو من العقاب، وأما السؤال والحساب فلا بدّ منه، وليفكر كل مسلم في مسؤوليته عن هذا وغيره لأن كثيرًا منا مسؤولٌ عن ذلك مهما وضعنا رؤوسنا أو جهلنا أو تجاهلنا أو حاولنا التغافل عن ذلك، فجميعنا واللهِ مسؤولون، كلٌّ في منصبه وموقعه، فليفكر كلّ منا بِجِدِّيَّةٍ في هذا الأمر الخطير في هذا البلد وفي غيره من ديار المسلمين، الأئمة والخطباء والداعون إلى الله عمومًا والقضاة والعلماء وأرباب القلم والصحافة وغيرها والمتقلدون للمناصب أيًا كانت، الجميع مسؤول في جميع ديار المسلمين عن ارتكاب الجرائم والمحرمات والبعد عما حرم الله في المعيشة وغيرها من أمور المعاملات والعبادات، فالمسؤولية مسؤولية مشتركة لا تختص بمرتكبيها لأن الوسائل التي دفعتهم لارتكابها قد اشترك فيها عِدَّةُ جهاتٍ حيث سَهَّلُوا الوصولَ إليها وعملوا على توفير الأسباب الدافعة إليها دون النظر في عواقبها الوخيمة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير