شكى الصالحون من النفاق, وبكوا منه, وخافوا على أنفسهم, وتبرءوا إلى الله منه، وسألوا الله أن يشافيهم من النفاق, والنفاق كثير، خاصة مع هذا العصر، وكثرة الفتن والمفاسد, وما طمت به المادة الغربية الملحدة المتزندقة, من ثقافات وسموم وانحرافات.
وقد ذكر الله المنافقين في أكثر من سورة, بل خصص لهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى سورة كاملة، هي: سورة التوبة، تسمى: الفاضحة لأنها فضحتهم, ذكر فيها خمس مرات: ومنهم ومنهم ومنهم .. ! وخصهم الله بسورة المنافقين, فابتدأها سُبحَانَهُ وَتَعَالى بقوله: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1].
أحدهم أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله! لن أخرج معك في غزوة تبوك؛ لأني رجل إذا رأيت بنات بني الأصفر لا أصبر عن النساء, فعذره عليه الصلاة والسلام, فأنزل الله قوله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [التوبة:49].
جاء ابن جميل فقال: يا رسول الله! أنا فقير؛ فادعُ الله أن يغنيني من خزائنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى, فوالله يا رسول الله! لئن أغناني الله لأتصدقن ولأعطين ولأبذلن, فدعا له, فلما أتت عليه الزكاة كفر بها، ورفضها، ومنع وبخل وقبض يده, فأنزل الله قوله: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [التوبة:75 - 76].
قال عبد الله بن أبي -وقد تضارب مهاجري وأنصاري-: والله لئن رجعنا إلى المدينة من تبوك ليخرجن الأعز منها الأذل, فأنزل الله على رسوله الآيات، وكذبه، وجعل الدائرة عليه، ومات منافقاً رعديداً زنديقاً .......
الكذب
أيها المسلمون! أول علامة من علامات النفاق: الكذب, قال ابن تيمية: الكذب ركن من أركان الكفر.
وذكر -رحمه الله- أن الله إذا ذكر النفاق في القرآن ذكر معه الكذب, وإذا ذكر الكذب ذكر النفاق, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:9 - 10] وقال سبحانه -كما أسلفت- في سورة التوبة: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [التوبة:107] فذكر الله الكذب, وإذا ذكر النفاق ذكر قلة الذكر, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في آخر سورة المنافقين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المنافقون:9] فنفى الله عن المؤمنين النفاق بذكرهم, ووصف الله نفاق المنافقين بقلة ذكرهم.
والكذب, يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {آية المنافق ثلاث، وذكر منها: وإذا حدث كذب} فمن كذب مازحاً أو جاداً، أو كذب لأمر، أو لحيلة، ففيه شعبة من النفاق, وما كذب إلا لنفاق في قلبه والله المستعان! وهو علامة صارخة تشهد على صاحبه بالنفاق.
وكذلك من كذب مازحاً، فإن بعض الناس يتساهل في ذلك, وعند أحمد في المسند بسند جيد: {ويل له, ويل له, ويل له, من كذب الكذبة ليضحك القوم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
والكذَّاب ملعون، سواء كان جاداً أو مازحاً، فليتنبه لهذه الخصلة الذميمة، فإن مبنى النفاق وركن النفاق الأعظم وقطبه ودائرته وبركانه وعموده هو الكذب, وما نافق المنافقون إلا بكذب في قلوبهم، وهو يبدأ كالقطرة في القلب، ثم يتعمق ويتطور حتى يصبح فسطاطاً عظيماً, ويصبح حصناً من حصون النفاق والعياذ بالله, فأحذركم ونفسي من الكذب, إياكم والكذب فإن الكذب مدد للنفاق, والله وصف المنافقين بالكذب، فقد كذبوا في أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم.
أعلى الصفحة
الغدر
¥