العلامة الثانية: الغدر, والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: {وإذا عاهد غدر} من أعطى المسلمين بيمينه أو عاهده أو ولي الأمر أو مسلماً أو كافراً في حرب في معاهدة ثم غدر؛ فقد أشهد على نفسه بالنفاق, ولذلك ثبت في حديث بريدة يوم قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم يوم ولى الأمير وقال: {وإذا سألك أهل حصن أن تنزلهم في ذمة الله، فأنزلهم في ذمتك أو ذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم أهون -أو أسهل- من أن تخفروا ذمة الله}.
فمن أعطى عهده رجلاً أو امرأته أو ولده أو صاحبه أو صديقه أو ولي أمر ثم خانه وغدره بلا سند إسلامي، فهذا علامة وركن من أركان النفاق والعياذ بالله.
أعلى الصفحة
الفجور
العلامة الثالثة: الفجور في الخصومات؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين {وإذا خاصم فجر}.
قال أهل العلم: "من خاصم مسلماً -لأن مخاصمة الكفار لها باب آخر يفصلونه عن مخاصمة المسلمين- ثم فجر في خصومته، فقد أشهد الله على ما في قلبه أنه فاجر منافق".
وأما الكافر فهناك حديث: {الحرب خدعة} وقد عمل به علي رضي الله عنه مع الكفار, وله تفصيل آخر إذا خان الكفار, فغدرهم أو اللعب بهم والاحتيال عليهم وارد لا غدراً ولا فجوراً, وإنما من باب الحيلة، ولها بحث.
أعلى الصفحة
خلف الوعد
الأمر الرابع: الخلف بالوعد فمن وعد ثم أخلف وعده فقد ورث شعبة من شعب النفاق, يذكر عنه صلى الله عليه وسلم في السير بأسانيد تقبل التحسين, أنه وعد رجلاً عليه الصلاة والسلام أن يلاقيه, فأتى عليه الصلاة والسلام للموعد فأخلف ذاك الرجل, فبقي صلى الله عليه وسلم في المكان ثلاثة أيام بلياليها, فتذكر الرجل فجاء, فقال له صلى الله عليه وسلم: {لقد شققت عليّ} فمن أخلف في ميعاده ولم ينضبط ففيه علامة من النفاق, من وعدك في ساعة أو في يوم أو في مكان, ثم أخلف ميعادك بلا عذر، فاعلم أن فيه شعبة من النفاق, فاغسل يديك منه.
كان أحد الصالحين إذا وعد أخاه، قال: إن شاء الله ليس بيني وبينك موعد, إن استطعت حضرت وإن لم أستطع فالعذر, لئلا تكتب عليه شعبة من شعب النفاق والعياذ بالله, وهذا النفاق العملي الذي يأتي كثيراً، وذلك لقلة الإيمان في بعض المسلمين، أصبحوا يخلفون الميعاد، ويكذبون، ويفجرون، ويغدرون, فإذا سافر المسافر إلى دول الكفر ورأى انضباطهم -في النفع من أجل المادة- وانضباط مواعيدهم, قال: عجيب! وجدت هناك الإخلاص والصدق والأمانة, وأتى يمدح في أعداء الله، وأذناب كل ملحد رعديد، ويسب المسلمين, فنقول له: وجدت هناك قوماً يتعاملون بالدرهم والدينار، ويعبدون المنفعة، فانضبطوا, ووجدت هنا قوماً ليس عندهم إيمان، فخالفوا شرع الله، فقبحوا صورة هذا الدين في عيون المسلمين.
والعجيب أن هناك كتاباً في الساحة مذكرات للرئيس الأمريكي "ريجن " الهالك المتزحلق من الرئاسة, يذكرون عنه أن مواعيده كانت بالدقيقة بل بالثواني, وكان يدخل البيت الأبيض -وهذا من باب: الحكمة ضالة المؤمن- في الساعة الثانية والثامنة والخمسين دقيقة، فيتكلم مع نائبه دقيقتين ثم يجلس على مكتبه, فينقل بعض المعلقين الصحفيين، فيقول: هذا هو الانضباط, والصدق والإخلاص, وأي صدق عند ذلك الفاجر؟ وأي إخلاص عن رجل باع ذمته وعهده ووقته وأيامه؟ بل هو عدو لله، ولكنه نفعي، يعبد كرسيه وهو بعيد عن الله.
أعلى الصفحة
الكسل في العبادة
العلامة الخامسة: الكسل في العبادة, قال سبحانه: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142] إذا رأيت الإنسان يتكاسل عن الصلاة، وعن الصف الأول، وعن الذكر، وعن الدعوة، والعلم، وعن مجالس الخير, فاعلم أن في نفسه وسوسة وأن الشيطان يريد أن يفرخ ويبيض في قلبه, فليتنبه لذلك, ليس المعنى أن من صلّى فهو بريء من النفاق, والمنافقون كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم, لكن علامة صلاتهم كسالى: يقومون بكسل وببطء وببرود لا يعرفون القوة, ولا الحياة, والله يقول: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12] أما هؤلاء فيجر أحدهم أقدامه، فكأنما يجر بالسلاسل إلى المسجد, فيقف في طرف الصف أو في آخر المسجد, لا يدري ماذا قرأ الإمام, لا يتدبر ولا يعي.
فقل للعيون الرمد للشمس أعين تراها بحق في مغيب ومطلع
وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأبصارها لا تستفيق ولا تعي
¥