ومن علامات المنافقين: الوقوع في أعراض الصالحين, والاستهزاء شيء ولكن الوقوع شيء آخر, الوقوع مثل الغيبة, قال تعالى: سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ [الأحزاب:19] حداد هذه صفة لألسنة، وأشحة: حال له, وليست صفة ثانية لألسنة, لأن الألسنة لا توصف بأنها أشحة، لكن نفوسهم أشحة, حداداً: أي: كأنها سيوف، تجدهم إذا استدبروا الصالحين سلقوهم وحنطوهم وسحقوهم وقصفوهم وأخذوا أعراضهم، غيبة في المجالس, فالصالح فلان هدانا الله وإياه, حتى يذكر ابن تيمية أن من الدعاء ما يكون غيبة في صاحبه، يدعون في الظاهر, تقول: ما رأيك في فلان؟
قال: غفر الله لنا وله, وهو لا يريد غفر الله لنا وله, لكن هناك شيء مبطن الله أعلم به, ويقول: عافانا الله مما ابتلاه به, ويقول: هداه الله, حتى يقول ابن المبارك: من التسبيح ريبة, حتى ذكر عند السلاطين رجل, فقال: سيسأل أحد وزرائي عنه, فيقول: سبحان الله! أي: انتبه له, وفي الظاهر أنه سبح الله، وفي الباطن أنه لمزه وغمزه, وهذه مقاصد الله يعلمها يوم يبعث ما في القبور، ويحصل ما في الصدور.
فالوقوع في أعراض الصالحين من علامات النفاق, بعض الناس لا يغتاب الفاجر، يسلم منه اليهود والنصارى، لكن المسلم لا يسلم منه.
جاء رجل إلى الربيع بن خثيم وقيل غيره, فاغتاب أخاً له, فقال الربيع بن خثيم: أقاتلت الروم؟ قال: لا. قال: أقاتلت فارس؟ قال: لا. قال: فيسلم منك فارس والروم ولا يسلم منك المسلم؟! قم عني.
واغتاب رجل في مجلس أحد العلماء فقال: اذكر القطنة إذا وضعوها على عينيك في سكرات الموت: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88 - 89].
أعلى الصفحة
التخلف عن صلاة الجماعة
ومن علاماتهم: التخلف عن صلاة الجماعة، وهذا داء عضال، من أكبر الداء, وعند مسلم في الصحيح من حديث ابن مسعود: [[وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق]].
إذا رأيت البدين الصحيح، القوي الفارغ، الذي ليس له عذر شرعي، وسمع النداء، ولم يأت إلى المسجد؛ فاشهد عليه بالنفاق, قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {والذي نفسي بيده! لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون العشاء معنا -وفي لفظ: الصلاة- فأحرق عليهم بيوتهم بالنار -وعند أحمد: {لولا ما في البيوت من النساء والذرية، والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء معنا}.
فمن علامة المنافق التخلف عن صلاة الجماعة، يصلي في بيته مع امرأته وابنته، ولا يحضر الجماعة، فاشهد عليه بالنفاق, لا تتوقف بالحكم عليه بالنفاق إذا تكرر منه هذا العمل بغير عذر، فإنه قد أشهد الله على نفسه أنه منافق والعياذ بالله.
أعلى الصفحة
الإفساد في الأرض
ومن علامات المنافقين أيضاً: الإفساد في الأرض بزعم الإصلاح: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:11 - 12] تجده يسعى بالنميمة بين الناس, ويشهد شهادة الزور, يقاتل بين الأخ وأخيه، وبين الأب وابنه, يسعى بالوشاية، يكون كهشيم النار, يحرق البيوت، يدمر المجتمعات, فإذا قلت له: يا فلان! ويلك من الله، اتق الله، قال: والله ما أريد إلا الإصلاح، الله يعلم أني أريد أن أصلح هذه الأسرة, أو هذا المجتمع, أو هذه القبيلة, وقد علم الله أنه يريد الفساد, وأكثر من أفسد بين القبائل والمجتمعات والأسر, هؤلاء المنافقون، إما شاهد زور، وإما متزلف، وإما مدعوم بنفاق: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام * ِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204 - 205] , هذا علامة النفاق .. الإفساد بين الأسر والمجتمعات, وقد تجددت وسائل خدمة هؤلاء المفسدين، منها: التلفون، فأصبح يرتاح ويتكئ على أريكته ووسادته ويشغل القلوب، ويحرق بين الأسر, ويفسد المجتمعات وهو جالس, يتصل بفلان، ويقول له: قال فيك فلان, ويتدخل في المشكلة، في الظاهر أنه يريد الإصلاح، وفي الباطن
¥