تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عباد الله، الآيات التي وردت عن المنافقين في القرآن الكريم تتضمن حملة عنيفة عليهم، كاشفةً أكاذيبهم ودسائسهم ومؤامراتهم، وما في نفوسهم من البغض والكيد للمسلمين، ومن اللؤم والجبن وانطماس البصائر والقلوب. والمنافقون الذين كانوا بالمدينة زمن الرسول ليسوا من أجناس أخرى، بل هم من قبائل العرب الخلَّص، وكذا من جاء بعدهم. وحملوا أسماء أخرى أطلقها عليهم علماء المسلمين، كالفِرَق الباطنية التي تظهر الإسلام لكنها تسعى جاهدة للانقضاض على المسلمين، كان كثير من أولئك عربًا أيضًا؛ لكن هل توقفت حركة النفاق في هذا العصر؟ سؤالٌ ربما يرد في أذهان البعض.

والجواب: لم تتوقف، بل ازدادت ضراوة؛ لأنها من جانب سَخَّرت إمكانيات هذا العصر لخدمة أهدافهم في هدم الإسلام وتقويض أركانه، الأمر الذي يجعل الكفار الصرحاء يسعون جاهدين في مدِّهم ودعمهم وتزويدهم بكل ما يحتاجون. والعامل الثاني الذي يُذكي حركة النفاق ما يراه المنافقون من علو هذا الدين وسعة وسرعة انتشاره وكثرة الداخلين فيه رغم كل ما يُكاد له، وهذا يغيظهم ويضرم نار العداوة والحقد والكراهية في نفوسهم.

وإن كل تجمع أو تيار فكري أو حزب مهما رفع من راية وحمل من اسم يعرض برامج إصلاحية تحارب الإسلام أو تقصيه وتبعده وتهمشه ولا توافق على حضوره في الخطط والتنفيذ هي في حقيقة أمرها وجهٌ من أوجه النفاق وإن تظاهر أصحابها بالإسلام، وكانت أسماؤهم إسلامية، وتضمّنت برامجهم بعض النتف والمظاهر الإسلامية التي أشبه ما تكون بالطقوس في الديانات الأخرى، لا تقدم شيئًا ولا تؤخر، ولا يعتمد عليها تقويم، ولا يعاقب تاركها ولا يثاب فاعلها، غاية تأثيرها إن أثرت على استحياء وامتعاض التذكير بأنهم من أصول إسلامية! وسرعان ما ينقشع ذلك الأثر. ترى المنافق الذي يتظاهر بالإسلام والكافرَ فلا تفرق بينهما في المظهر ولا المشاعر ولا في المحبة والبغض، ولا في العلاقات ولا التفكير والاهتمام ولا في التربية، ولا فرق بينهما إلا في الاسم فقط.

معاشر المؤمنين، من أبرز صفات المنافقين خلطهم وتخبطهم في تقدير وتقييم قوة المسلمين، يرصدون الدعوة ويراقبون في ظنهم تحركات أهلها وما يجري من نشاط دعوي وإصلاحي، ويحسبون أن الأمر بعد رحيل بعض رموز أهل العلم والدعوة والفضل قد خلا للمنافقين يبيضون ويفرخون كما يشاؤون، والحق أن الأمر خلاف ما يظنّون ويحسبون، فهذه الأمة ولود، ودين الله ليس مربوطًا بشخص ولا معلقًا مصيره برجل أو جهةٍ رسميةٍ كانت أو غيرها، ولو كان معلقًا مصيره برجل لانمحى وزال برحيل محمد المبلِّغ الأول عن ربه، لكنه مات وظل الدين حيًا، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران: 144]، وتمت الفتوحات، ودخل الناس في دين الله أفواجًا. والمنافقون يُخطئون التقدير كثيرًا، ورصدهم فيه تخبط ويفتقد الدقة؛ لأن الله ختم على قلوبهم وعلى سمعهم، فيرون أشباحًا ويتوهمونها أجسامًا، وربما رأوا أجسامًا فيظنونها أشباحً؛ لأنّ الله جعل على بصرهم غشاوة.

يُعمِيهم الحقد ويَصمّهم، ولا يملكون الشجاعة التي يجرؤون بها على مقابلة الدين بالإنكار الصريح، فيضطرهم الجبن إلى إظهار وإعلان خلاف حقيقتهم، وإلى الحذلقة بإيقاع الدس حينًا، والتشكيك حينًا، وتنقص علماء المسلمين حينًا، والسعي المحموم في تنحية الشرع وإفساد العقيدة والسلوك والأخلاق باسم الإصلاح والتطوير، وشاهدًا على تخبطهم وسوء تقديرهم وتقييمهم للساحة الإسلامية وقوة أهلها.

أسوق نموذجًا من الصدر الأول من عهد النبوة، والرسول لا زال حيًا، والوحي لا زال يتدفق، ومع ذلك تسوِّل لهم نفوسهم المريضة وطبيعتهم الحمقاء ويزين لهم الشيطان أنهم قادرون على الانقضاض على الدعوة وأهلها، وما هي إلا عمليات وإلقاءات يقذفون بها في المجتمع المسلم؛ ليقع فريسة بين أيديهم، هكذا يظنون ويحلمون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير