تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سجية من سجايا المنافقين لا تنفك عنهم، خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ [البقرة: 7]، وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [الأعراف: 198]. يظنون أهل الإيمان مثلهم غفلاً لا يفقهون ولا يدركون، ولعل هذه الصفة فيهم هي التي تدفعهم دائمًا إلى تجديد أذيتهم للمسلمين، وسعيهم الدؤوب في النيل منهم، خاصة وأن المنافقين محسوبون على المسلمين، ويعيشون بينهم ومعهم.

ولا تعجب ـ أيها المسلم ـ من حمق المنافقين، ولا تستغرب وتقول: إلى هذه الدرجة يظنون أنهم يضحكون على المسلمين؟! أو إلى هذه الدرجة هم أغبياء ويظنون غيرهم أغبياء؟! أقول لك: لا تعجب، فالأمر أكبر من ذلك؛ يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ [المجادلة: 18]. تعوَّدوا في الدنيا الحلف كذبًا لإنكار ما ينسب إليهم من مؤامرات وأقوال ووشايات لتَأَصِّل النفاق في كيانهم، فسرى هذا الحمق معهم ليصاحبهم إلى يوم القيامة في حضرة الله الخبير، فيحلفون له كما يحلفون للمخلوقين ظنًا منهم أنه يصدقهم! أتراهم لا يوقنون أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أم أن فيروس النفاق نخر في قلوبهم فسلبها خاصة الفهم والإدراك والتمييز؟! أمرٌ عجيب حقًا.

أيها المؤمنون، ورغم قوة كيد المنافقين إلا أن الذلة والهزيمة كتبت عليهم، وكتبت العزة والغلبة والتمكين لله ولرسوله وللمؤمنين، كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة: 21]. وهذا وعد الله الصادق الذي كان والذي لا بد أن يكون على الرغم مما قد يبدو أحيانًا من الظاهر الذي يخالف هذا الوعد الصادق. ولعل غلبة النفاق وأهله حينًا استجاشةٌ للإيمان، وتهييج له عند أهله؛ لتحقيق وعد الله في وقته الذي لا يتخلف، وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم: 6]. فليطمئن المؤمنون والدعاة والمصلحون والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه كان عفوًا غفورا.

الخطبة الثانية

الحمد لله العظيم المنان، ذي الجلال والإكرام، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرًا.

أما بعد: فعن نُعيم المُجْمِر عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: ((إن أمتي يُدعون يوم القيامة ـ أي: ينادون للحساب ـ غُرًا محجّلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غُرته فليفعل)) متفق عليه. يعني أن أمة محمد يأتون يوم القيامة تلمع وجوههم بياضًا ونورًا من آثار الوضوء. والمراد أن الله تعالى خصّ هذه الأمة بخصائص في الدنيا والآخرة لم تكن لغيرهم؛ منّةً من الله، فله الحمد والثناء والمجد، تلك المنة أنهم يأتون يوم القيامة ووجوههم وأيديهم وأرجلهم تتلألأ نورًا وبياضًا، وذلك من آثار الوضوء الذي يفعلونه في الدنيا تعبُدًا لله عز وجل وتعظيمًا لشأن الصلاة، فهنيئًا للمصلين، ويا فوز المتوضئين، ويا لعظم خسارة المفرطين في الوضوء.

عباد الله، نبيكم يقول: من قدر على أن يطيل غُرته أي: يطيل محلَّ ذلك النور في وجهه ويديه ورجليه بالزيادة في محل التطهير فليفعل، ليزداد نوره يوم القيامة، وحليته في الجنة تبلغ حيث يبلغ الوضوء كما ورد في صحيح مسلم، وكان أبو هريرة رضي الله عنه ـ وهو راوي الحديث ـ يفعل ذلك.

وكيفية إطالة الغرة أن يغسل يديه حتى يقارب المنكبين، ورجليه حتى يرفع إلى الساقين؛ استشعارًا لأهمية الوضوء، واستحضارًا لعظم أجره. لكن ليعلم المسلم أن الواجب هو غسل اليدين إلى المرفقين، وغسل الرجلين إلى الكعبين فقط، وما زاد فهو سنة يفعلها أحيانًا طمعًا أن يأتي يوم القيامة غرًا محجلاً، جعلنا الله منهم. وليحذر من الوسوسة الموقعة في الإسراف المنهي عنه شرعًا وتخرجه من السنة.

إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير