تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران: 118 - 120].

فذكر الله تعالى في هذه الآيات الكريمة عشرة أوصاف لهم تزجر من يعي القرآن ويعمل به أن يتخذ المنافقين بطانة له، ومن هذه الأوصاف أنهم جادون في أذية المؤمنين والنيل منهم: لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً، حريصون على عنتهم وضررهم: وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قد فاضت قلوبهم بالحقد والضغينة على المؤمنين حتى فلتت ببعضه ألسنتهم: قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، وبلغ من غيظهم أنهم عضوا بسببه أناملهم مما يجدون في قلوبهم: وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ، وهذه البغضاء التي بدت منهم هي أقل مما في قلوبهم السوداء: وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، وهم يقابلون وفاء المؤمنين لهم بالخيانة ومحبتهم لهم بالبغضاء والكراهية: هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ، والكذبُ والمخادعة صفتهم الملازمة لهم؛ إذ عليها بُني نفاقهم: وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا، يحسدون المؤمنين على أي خير أو نصر يتحقق لهم فينفونه أو يقللون من شأنه: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، وفي مقابل ذلك يفرحون بأي مصيبة تنزل بالمؤمنين، فيلومونهم ويشمتون بهم، ويتبرؤون منهم: وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا، وهم أهل مكر كبير وكيد عظيم بأهل الإسلام: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران: 120].

وكل هذه الأوصاف العشرة التي ذكرها الله تعالى عن منافقي غزوة أحد ملازمةٌ للمنافقين في كل زمان ومكان؛ ولذلك قال الله تعالى محذّرا عباده المؤمنين في هذه الآيات العظيمة الكاشفة للمنافقين: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، فالثقة في المنافقين والاطمئنان إليهم واتخاذهم بطانة ليس من العقل في شيء كما دل على ذلك القرآن الكريم، فمن وثق بهم واتخذهم له بطانة كان مخذولا مهزوما؛ إذ إنهم من أهم أسباب الخذلان، وما أصيبت أمة الإسلام بشيء كما أصيبت بهم، وقد رأينا هذه الأوصاف التي ذكر الله تعالى للمنافقين في منافقي زمننا هذا، وتجلى ذلك أكثر في الأزمات والحروب التي سعرها اليهود والنصارى في العقدين الأخيرين ضد المسلمين، وبدا ذلك واضحا كل الوضوح قبل أيام في معركة غزة من بدايتها إلى نهايتها؛ إذ وقفوا مع الصهاينة بأقوالهم وأقلامهم وأفعالهم في بداية عدوانهم على المستضعفين، يعتذرون لهم، ويسوغون جرائمهم، ويجلدون ضحاياهم، ولم يزعجهم قتل النساء والأطفال وتمزيق الأشلاء وهدم المساجد والدور، فلما خُذل الصهاينة وانهزموا ورجعوا مقهورين مذلولين تحركت عواطف صهاينة العرب المنافقين على الأطفال والنساء، فذرفوا دموع التماسيح، وصوروا للناس أن المجاهدين الدافعين للصائل المعتدي هم السبب في قتل هؤلاء المستضعفين، وكأنهم القتلة وليس إخوانهم صهاينة أهل الكتاب، فأعادوا علينا ما قال إخوانهم في أحد: لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا [آل عمران: 168]، حسبهم الله بما قالوا وما كتبوا وما فعلوا، وأخزاهم بما كسبوا، وأراح المسلمين من شرهم وكيدهم، إنه سميع قريب.

وأقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ...

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة: 281].

أيها المسلمون، من تأمل كتاب الله تعالى في المنافقين وأوصافهم ونظر إلى أفعالهم بالمسلمين عبر التاريخ ثم التفت إلى مواقفهم مع قضايا المسلمين في هذا العصر عَلِم لِمَ أبدى الله تعالى فيهم في القرآن وأعاد، وكرر القول فيهم، وذكر أوصافهم، وأكثر التحذير منهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير