تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول الله تعالى عن موقف المنافقين في غزوة بني النضير: أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ [الحشر: 11]، ونرى هذا الموقف عينه من منافقي عصرنا مع صهاينة أهل الكتاب حتى فاقوهم في الإخلاص لهم والدفاع عنهم وتسويغ أفعالهم، فكانوا صهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم. وهذا ما عَجِب منه صهاينة أهل الكتاب؛ حتى إن وزيرة خارجية دولة اليهود أمرت بأن تُنشر مقالات صهاينة العرب الموافقة للصهاينة في مذابحهم على الموقع الرسمي لوزارتها في سابقة لم تُعهد من قبل، وعللت ذلك بقولها: "إن هؤلاء سفراء إسرائيل لدى العالم العربي وأفضل من يوصل وجهة النظر الإسرائيلية إلى الشارع العربي"، وتُرجم مقالٌ لأحد صهاينة العرب إلى العبرية، فقرئ على رئيس وزراء اليهود، فقام اليهودي عن كرسيه مبتهجا، ورفع يديه منتشيا، يقترح ترشيح هذا الكاتب العربي لأعلى وسام في إسرائيل، ووصفه بأنه أكثر صهيونية من هرتزل.

والمقال كان تأييدا للصهاينة في سحق أهل غزة وإبادتهم عن بكرة أبيهم، وكثير من كتاب اليهود يقصرون عن الوصول إلى هذا المستوى الدموي المتوحش الذي وصل إليه الصهاينة العرب؛ ولذلك كان وتر صهاينة العرب بهزيمة الجيش اليهودي أعظم من وتر اليهود أنفسهم، ففقدوا بها صوابهم، وأعلنوا للمسلمين عداءهم، وتخبطوا تخبطا كبيرا، قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران: 118].

لقد كان اليهود ولا يزالون يقولون: إن حروبهم دينية دعتهم إليها التوراة، وكان المنافقون ولا يزالون يقولون: إنها حروب دنيوية لا علاقة للدين بها؛ خوفا من إحياء الشعور الديني لدى المسلمين فيهزمون بحقهم باطل غيرهم.

ولما خسر اليهود حربهم الأخيرة اعترف عدد من قادتهم بهزيمتهم، وعدَّها المفكرون منهم هزيمة استراتيجية، لن ينتصر اليهود بعدها أبدا، وستجترئ بعدها الشعوبُ المقهورة المغلوبة على دولة الصهاينة، لكن المنافقين من بين كل البشر جعلوه نصرا مؤزرا لليهود.

فمتى يعي الناس حقيقة هؤلاء الصهاينة العرب الذين فُرضوا على الأمة بالقهر والقوة في إرهاب فكري أحادي؟! ومتى يعلم الناس أن من أعظم أسباب خذلان المسلمين في هذا العصر هو إمساك جوقة المنافقين في دول أهل الإسلام منابر الإعلام؛ لينفثوا سمومهم على الناس، ويبثوا فيهم روح الانهزام والتبعية التي تشربوها من أسيادهم حتى ثملوا منها؟! وإلى متى يُتخذ هؤلاء المفلسون المفسدون المنحرفون بطانة يُستشارون وهم الذين أضاعوا الأمة من قبل بالشعارات الجاهلية القومية، قبل أن يتحولوا إلى عملاء للصهيونية والإمبريالية، حتى صاروا صهاينة أكثر من أربابها، ينافحون عنهم، ويجادلون غيرهم فيهم، ويخونون الأمة لأجلهم؟! وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ [التوبة: 57].

وصلوا وسلموا على نبيكم محمّد ...

الخطبة الأولى

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعرفوا فضل ربكم عليكم فاشكروه، واقدروا دينكم قدره فالزموه، وأيقنوا بوعد الله تعالى لكم تجدوه، قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِالله وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لله يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128].

أيها الناس، لا شيء أضر على الأفراد والأمم من طاعتهم لأعدائهم وتعلقهم بهم وركونهم إليهم وثقتهم فيهم وانسياقهم خلفهم، يظنون نصحهم، ويستجدونهم حقوقهم، ويرجون نفعهم، ويخافون ضرهم، ويصبرون على ظلمهم، ويتجرعون الذل منهم، والحقوق لا يهبها الأعداء لأعدائهم، بل تؤخذ منهم قسرا بلا رضاهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير