تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولذا كان القرآن واضحا كل الوضوح في تحذير المؤمنين من الثقة بالكافرين والمنافقين وطاعتهم، ولا أحد أنصح لنا من ربنا جل جلاله، ولا أحد أعلم منه عز وجل بحقيقة أعدائنا ولا بما يصلحنا وينفعنا، وقد بين لنا في كتابه العزيز شدة عداوة الكفار والمنافقين لنا.

إن طاعة الكفار والمنافقين لا يجني منها العبد إلا الوبال والخسران في الدنيا والآخرة، وإن تقديم أقوالهم على أقوال الله ورسوله لمن أعظم الضلال والانحراف، وهو من أسباب الخذلان للأفراد والأمم.

كان أبو طالب يحوط النبيّ وينصره، ويدافع عنه ويؤيده، فلما حضرته الوفاة دعاه النبي إلى كلمة الحق ليحاج له بها عند ربه، فقال: ((يا عَمِّ، قُلْ: لا إِلَهَ إلا الله كَلِمَةً أَشْهَدُ لك بها عِنْدَ الله) فقال أبو جَهْلٍ وَعَبْدُ الله بن أبي أُمَيَّةَ: يا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عن مِلَّةِ عبد الْمُطَّلِبِ؟! فلم يَزَلْ رسول الله يَعْرِضُهَا عليه وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حتى قال أبو طَالِبٍ آخِرَ ما كَلَّمَهُمْ: هو على مِلَّةِ عبد الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لا إِلَهَ إلا الله. رواه الشيخان. فأوردت طاعةُ الكفار أبا طالب نار جهنم خالدا فيها مخلدا وهو عم أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام.

وهرقل عظيم الروم علم صدق النبي، وأيقن بأن ما جاء به هو الحق، وكاد أن يعلن إسلامه لولا أن قومه ثاروا عليه، فأطاعهم، فكانت طاعته إياهم سبب خسرانه الأبدي في الآخرة، وقد فارق ما أطاعهم لأجهله في الدنيا وهو الملك.

وفي مقابل ذلك فإن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله سبب للهدى والرشاد والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء: 69]، وفي آية أخرى: وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ [النور: 52]، ومَرِضَ غلامٌ يهوديٌ لو مات على يهوديته لكان من أهل النار خالدا فيها مخلدا، فزاره النبي، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فقال له: ((أَسْلِمْ) فَنَظَرَ إلى أبيه وهو عِنْدَهُ فقال له: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النبيُّ وهو يقول: ((الْحَمْدُ لله الذي أَنْقَذَهُ من النَّارِ)) رواه البخاري. فكانت طاعته للنبي سبب فوزه وفلاحه.

وكما كانت طاعة الكفار والمنافقين وبالا على الأفراد فإنها وبال كذلك على الدول والأمم، وما انتُقصت أمة الإسلام نقصا عظيما وخذلت خذلانا كبيرا واستبيحت كما لم تستبح من قبل إلا بسبب طاعة كثير من ساستها وكبرائها للكفار والمنافقين، فأردوهم في دينهم، ولم يصلحوا لهم دنياهم التي أطاعوهم من أجلها، وقد خاطب الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام ينهاه عن طاعة الكفار والمنافقين، ويحذره من ذلك أشد التحذير، وأكثر ما جاء النهي عن ذلك في سورة الأحزاب التي سميت بهذا الاسم لتحزّب الأحزاب من قريش وحلفائها ضدّ النبيّ، وفيها أرجف المنافقون وخذلوا، ونقض اليهود عهدهم مع رسول الله وبيّتوا غدره، وكان موقفا عصيبا يشبهه تكالب أمم أهل الكتاب والنفاق على المسلمين اليوم.

لقد كان موقفا يستدعي اللين والتنازل، ويستوجب المناورة والمهادنة، ولا سيما أن الأبصار قد زاغت من الخوف، وبلغت القلوب الحناجر، ولكن مقادير الله سبحانه غير حسابات البشر، ودينه سبحانه هو دينه في السراء وفي الضراء، فتفتتح هذه السورة العظيمة المخبرة عن هذه الغزوة الكبيرة بنهي النبي عن طاعة الكفار والمنافقين: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفَى بِالله وَكِيلاً [الأحزاب: 13]، فليس من تقوى الله تعالى ولا من التوكل عليه سبحانه طاعة الكفار والمنافقين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير