تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم يتكرر هذا النهي الجازم وسط السور في قول الله تعالى: وَلا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفَى بِالله وَكِيلاً [الأحزاب: 48]، فلا طاعة للكفار والمنافقين حتى في الأوقات الحرجة والساعات العسرة والنوازل العظيمة والأزمات الكبيرة؛ ذلك أن طاعتهم سبب للخذلان والانتكاس، وهم لن ينصحوا للمؤمنين ولن ينصفوهم، ولن يحفظوا لهم عهدا أو يعيدوا لهم حقا؛ فالكفار لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ [التوبة: 10]، والمنافقون لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران: 118].

يا لها من حقائق ربانية قد عمي عنها كثير من المسلمين أو تعاموا عنها، فكانت النتيجة خذلانا بعد خذلان، وهزيمة في إثر هزيمة، وإخوانهم يقتلون ولا يملكون حيلة.

إنها طاعة الكفار والمنافقين التي أوردت الأمة موارد الضعف والخذلان، وسقتها كأس الهزيمة والخسران، وجرعتها علقم الذل والهوان، وأقعدتها عن نصرة الإخوان، فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم: 89]، وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله [الأنعام: 116]، ومن سبيل الله تعالى العزة والغلبة والنصر، فحُجب ذلك بطاعة الكفار والمنافقين.

بل حتى لو كانت الأمّة في حال ضعف ودعة وهوان فلا يَحِلُ لها طاعة الكفار والمنافقين فيما فيه نقص الدين وخذلان المسلمين، وإنما الواجب الثبات على الحق والتواصي بالصبر إلى أن يأتي الله تعالى بالفرج كما صبر السابقون، فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا [الإنسان: 24]، وفي آية أخرى: فَلا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان: 52] أي: جاهدهم بالقرآن، ومِنْ جِهادهم بالقرآن العمل به وتحكيمه، وموالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين، وعدم طاعتهم في التخلي عن الدين أو في خذلان المسلمين.

بل جعل الله تعالى طاعة الكفار والمنافقين واتباع أهوائهم ظلما توعّد عليه بالعقوبة: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة: 145]، وفي آية أخرى: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ [الرعد: 37].

إن الله سبحانه وتعالى نهى عن اتباع أهواء الكفار والمنافقين؛ لما في أهوائهم من الظلم والفساد والبغي والانحراف، ومن اتبعهم في أهوائهم فهو شريك لهم في بغيهم، معين لهم على ظلمهم، وتلك حيدة عن دين الله تعالى وشريعته، وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ [المائدة: 48]، وفي آية أخرى: وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ [المائدة: 49]. وإن من أعظم الفتنة في هذا العصر عما أنزل الله تعالى صرفَ المسلمين عن الدعوة إلى دينهم ونصرة إخوانهم، وتكبيلهم عن جهاد أعدائهم بمعاهدات جائرة واتفاقيات آثمة، ألزمتهم بها المجالس العالمية الطاغوتية. والبارحة تمخض مجلس الأمن في قضية غزة فولد فأرًا؛ إذ كافأ الجلاد، وعاقب الضحية، وانحاز للقاتل ضدَ المقتول.

إن ربنا جل جلاله قد أمرنا باتباع شريعته، ونهانا عن الانسياق خلف الكفار والمنافقين؛ لأنهم لن ينفعونا شيئا: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ الله شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ [الجاثية: 1819].

أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يدلنا على ما ينفعنا، وأن يكفينا شر أعدائنا.

وأقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ...

الخطبة الثانية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير