فولاؤهم للكافرين وإن عاشوا بين ظهراني المسلمين، وقلوبهم مع أعداء الدين وإن كانوا بألسنتهم وأجسامهم في المسلمين، يخشون الدوائر فيسارعون للولاء والمودة للكافرين ويسيئون الظن بأمتهم، فيرتمون في أحضان أعدائهم، ويزعمون إبقاءَ أيادٍ عند الكافرين تحسُّباً لظفرهم بالمسلمين فَتَرَى ?لَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَـ?رِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى? أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى ?للَّهُ أَن يَأْتِىَ بِ?لْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى? مَا أَسَرُّواْ فِى أَنفُسِهِمْ نَـ?دِمِين [المائدة:52].
ومن صفاتهم، أن ظواهرَهُمْ قد تعجب الناظرين، وأن أقوالَهُم ترضي السامعينَ .. قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـ?مُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ [المنافقون:4].
فهم يتصنعون الظواهر التي تخدع الأنظار حتى تظن فيهم خيراً.
كما ترى أحدَهُمْ ـ عند حديثه ـ تسبق يمينُه كلامَه، لعلمه بشكِّ المؤمنين في كلامه وارتيابهم منه. قال تعالى: ?تَّخَذُواْ أَيْمَـ?نَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ?للَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [المنافقون:2].
ومن صفاتهم أن لهم أكثرَ من وجهٍ، لهم وجهٌ يستعلنون به، وآخرُ يتوارون به ولا يظهرونهُ.
ترى أحدَهُم يسعى إليكَ مُبدياً تودُّدَهُ ومحبَّتهُ، مُظْهِراً لك أتمَّ استعداده ليكون أخاك الذي لم تلدهُ أمك، ويمدحك بما فيك وما ليس فيك.
وإذا تواريت أو غبت عنه، كادَ لك بلا تورُّعٍ، وقرضَ لحمك بلا حياءٍ، واستطال على عرضكَ بغير حقٍّ، وطعنك من الخلف طعناتِ غدرٍ.
ومن صفاتهم التي قد يتلبَّسُ بها بعض المؤمنين ما ورد في الحديث الصحيح عن النَّبِيِّ قَالَ: ((أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ)) وفي رواية لمسلم: ((وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ)).
فمتى اجتمعت تلك الخصال الأربع في شخص مَا، ذكراً كان أو أنثى كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلةٌ من هذه الخصالِ كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يتركَها ويبتعدَ عنها، ويرجعَ إلى إيمانه النقي الصافي الخالصِ من علاماتِ النفاق.
وسياسة التجويع عند المنافقين منهج وطريقة ابتدعوها، وهم يقصدون منها إضعاف انتماء المؤمنين لدينهم، وإبعادهم عن هدي نبيهم، وغاب عنهم أنَّ خزائنَ السماواتِ والأرضِ بيد الله، وذلك من قلة فقههم كما حكى الله عنهم: هُمُ ?لَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَى? مَنْ عِندَ رَسُولِ ?للَّهِ حَتَّى? يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ ?لسَّمَـ?و?تِ وَ?لأَرْضِ وَلَـ?كِنَّ ?لْمُنَـ?فِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ [المنافقون:7].
ومن مراتب النفاق الكبرى، أن يجلس جالسهم مجلساً يَسمع فيه آياتُ اللهِ يُكفر بها ويُستهزأُ بها فيسكتُ ويتغاضى، ملتمساً لنفسه أعذاراً ومسوغاتٍ من التسامح واللباقة والدهاء والكياسة وسعة الأفق وحرية الرأي، وما درى أن هذه هي الهزيمةُ تدب في أوصاله، وتنحر في فؤاده، وما فرّق بين حرية الفكر وجريمة الكفر وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ?لْكِتَـ?بِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءايَـ?تِ ?للَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى? يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ إِنَّ ?للَّهَ جَامِعُ ?لْمُنَـ?فِقِينَ وَ?لْكَـ?فِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140].
إخوة الإسلام، هذه بعض صفات القوم، وتلك بعض ملامحهم وأماراتهم، ومن رام المزيد فكتابُ الله حافل بذكر صفاتهم وفضائحهم، وسنة المصطفى وسيرتُه زاخرةٌ بكثير من مواقفهم وعدوانهم وحيلهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
¥