تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[محمد:30]

عباد الله، إن للمنافقين من التخفي والتلون ما يجعلُ المؤمن مأمورًا بالتعرف عليهم حتى لا يخدع بهم ولا يغتر بكلامهم، ولا سبيل للتعرف عليهم إلا من خلال ما قصّه الله سبحانه وتعالى علينا من أوصافهم.

فمن أوصافهم في القرآن الكريم أنهم يتخفّون خلف دعاوى الإصلاح والإحسان، فإنّ بالمنافقين من صفاقة الوجه وقلّة الحياء ما يجعل الواحد منهم يسعى إلى الفساد بكل حيلة وينقض عرى الإسلام عروة عروة إن استطاع، فإذا قيل له: اتق الله رفع عقيرته بدعوى الإصلاح: إنني أريد خيرَ الأمة وصلاحها وتقدّمها وازدهارها. فالذين بنوا مسجد الضرار على عهد رسول الله لما ظهر أمرهم وفضحهم القرآن أخذوا يحلفون لرسول الله أنهم ما أرادوا إلا الخير، وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [التوبة:107].

إن من يشيع الفتن في المؤمنين ويحارب تعاليم الدين ويسعى في مسخ الأمة وتغريبها وإشاعة الفاحشة في أبنائها وبناتها منافق ولو صرخ بأعلى صوته أنه مصلح، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12]

إخوة الإيمان، ومن صفاتهم التي وصفهم بها القرآن الكريم أنهم دعاة فتنة وفرقة بين المؤمنين، فسعيهم حثيث وحرصهم شديد على فرقة المؤمنين وتناحرهم، وذلك ليضعف أهل الإيمان وتكون الدائرة لهم، قال الله سبحانه وتعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لَقَدْ ابْتَغَوْا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:47، 48]، وقال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:107].

إن من سمات المنافقين سعيهم بين المؤمنين أو بين المؤمنين وولاة أمرهم بأسباب الفرقة والخلاف وإغراء العداوة وإيغار الصدور، فلا صلاح لهم إلا بضعف أهل الإيمان. إن الفرقة بين المؤمنين أو بين المؤمنين وولاة أمرهم لا مصلحة فيها إلا لأعداء الأمة من الكفرة وأهل النفاق. وقد يلبس المنافقون فتنتهم وسعيهم بالشر بين المؤمنين بلباس النصيحة والشفقة، أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:12].

إخوة الإيمان، ومن سماتهم التي وسمهم القرآن بها وصفاتهم التي وصفهم الله بها أنهم إذا ضاقت بهم الحيل وانكشف أمرهم بادروا إلى الأيمان الكاذبة والدعاوى الفاجرة، فمن يكذب في إسلامه لا يعجزه أن يكذب في يمينه، قال الله سبحانه وتعالى: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المنافقون:2]. وحين انكشف أمر مسجد الضرار فزعوا إلى الأيمان الكاذبة، وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [التوبة:107]. وحين رجع رسول الله من غزوة تبوك بادر المنافقون رسول الله بالأيمان الكاذبة يستدفعون غضبه، فوقعوا في غضب الله سبحانه وتعالى، سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [التوبة:95، 96].

عباد الله، ما أشبه الليلة بالبارحة، فدعاة الفساد والمروّجون للرذيلة والفاحشة ومثيرو الفتنة بين المؤمنين وبين المؤمنين وولاة أمرهم كلّما تكشف أمرهم بادروا إلى ادعاء النصيحة والإصلاح، وشفعوا دعاواهم الكاذبة بالأيمان الفاجرة، فصدق الله العظيم: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:30].

اللهم نوّر بصائرنا حتى نعرف أعداءك فنعاديهم، وأوليائك فنواليهم، وصراطك المستقيم فنسلكه يا رب العالمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير