الخطبة الثانية
ثم أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنين، واعلموا أن ربكم سبحانه وتعالى قد أمركم بما أمر به نبيَّكم، وقد أمر نبيّكم بجهاد المنافقين: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التحريم:9].
وإن جهاد المنافقين لا يتمّ إلا بمعرفتهم، ولا سبيل إلى معرفتهم إلا بالتعرّف على أوصافهم في القرآن الكريم الذي نزل من عند حكيم عليم، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].
عباد الله، ومن أخطر أوصاف المنافقين التي وصفهم بها القرآن الكريم أنهم كهفٌ لأعداء الدين والملة وفئة للكفار، يتّصلون بهم ويوالونهم ويستقبلونهم، ويسعون لتحقيق أهدافهم، فقد بنى المنافقون مسجد الضرار ليكون مرصادًا لمن حارب الله ورسوله، يجتمع فيه المنافقون، ويأرز إليه كلّ من شرق بهذا الدين، فيخططون للفتنة والإفساد، قال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ [التوبة:107]. قال البغوي رحمه الله عند قوله سبحانه: وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ: "أي: انتظارًا وإعدادًا لمن حارب الله ورسوله" اهـ.
إن من يدعو أعداء الأمة إلى بيته أو مكتبه ليكشف لهم أسرار الأمة ومَواطن ضعفها وليمالِئهم على الكيد لها والتخطيط لإفسادها أو يدعو أعداء الأمة للضغط عليها وإرغامها على ما يريد من الفساد أو يسعى للاتصال بأعدائها في الخارج ليطلِعهم على مواطن ضعفها ويعِدهم بالنصرة، كل ذلك علامة على نفاق وفساد باطن وإن حلف الأيمان المغلظة وادعى النصح والإصلاح، فالله يشهد إنهم لكاذبون.
عباد الله، ومن صفات المنافقين في القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى بظلمهم وفسقهم وكفرهم بعد إيمانهم قد طمس بصائرهم وطبع على قلوبهم، فلا تنفعهم المواعظ، ولا تحرّكهم الزواجر، ولا تؤثّر فيهم المثلات، قال سبحانه وتعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [المنافقون:3]، وقال سبحانه: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [التوبة:87]. والطبع ـ إخوة الإيمان ـ هو أن تختم قلوبهم وتغلق فلا تدخلها المواعظ ولا تنفعها الزواجر.
إن القرآن الذي جعله الله هدى وشفاء للمؤمنين لا يزيد هؤلاء المنافقين إلا كفرًا ونفاقًا، قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124، 125].
أخي المؤمن، حين تقرأ هذه الآية يذهب عنك العجب من قسوة قلوب هؤلاء المنافقين، يشيب عارضا أحدهم في بلاد الإسلام ويقرأ القرآن والسنة ويطّلع على كلام أهل العلم ويناصِحه العلماء وأهل الدين فلا يزيده ذلك إلا رجسًا ونفاقًا، قد أظلم قلبه وطمست بصيرته، نعوذ بالله من حال الأشقياء.
عباد الله، إن من ظهر شرّه وبان إفساده اتهمناه وحَذِرنا وحَذَّرنا منه ووكلنا سريرته إلى الله، فهو الذي يتولى السرائر.
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل، وأعذنا برحمتك من حال أهل الزيغ والفساد، اللهم افتح قلوبنا لأهل طاعتك، وبصرنا بأعدائك، وأعذنا برحمتك من الهوى والشيطان.
اللهم إنا نعوذ بك أن نقول زورًا، أو نغشى فجورًا، أو أن نطعن في أحد من المؤمنين يا كريم
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[27 - 06 - 09, 05:12 م]ـ
الخطبة الأولى
ثم أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، اتقوه وراقبوه، راقبوه عند خطرات القلب ولحظات العين وعثرات اللسان، واعلموا أن الله عز وجل قد وكّل بكم من ليس يغفل أو ينام، يحصي الأعمال ويكتب الحسنات والسيئات، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10 - 12].
¥