تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

احذروا ـ عباد الله ـ غدرات دوِّنت وسيّئات حفظت، فلئن نسيتموها فإنّ الدواوين لا تنسى، أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6]، وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].

عباد الله، إنّ الكلمة من أعظم الأمانات وأثقل المسؤوليات، تكون في قلب الرجل فلا يُسأل عنها ولا يحاسب عليها، ثم تخرج إلى لسانه فيتكلم بها فتورده الموارد أو ترفعه المنازل، تهوي به في الدركات أو تعلو به في الدرجات.

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم) وعن بلال بن الحارث رضي الله عنه قال: إن رسول الله قال: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتبُ الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه)) رواه مالك في الموطأ والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

عباد الله، لم يكن اللسان بهذه المنزلة إلا لما له من الفعل الشديد والأثر الأكيد، يتكلم المؤمن بالحق والعدل فيتجلى للناظرين ويروق للسالكين، ويلحنُ الفاجرُ بالباطل فيعمي الحق على الناس ويزوّقُ لهم الباطل ويصدهم عن الصراط ويُلبسُ عليهم دينهم، فيضلُ الخلق ويضيعُ الحق.

ولهذا لما بين رسول الله لمعاذ رضي الله عنه أسباب دخول الجنة والبعدِ عن النار ودلّه على أبواب الخير ثم أخبره برأس الأمر وعمودِه وذروة سنامه قال له: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كلِّه؟)) فلما قال: بلى، أخذ بلسانه وقال: ((كفَّ عليك هذا) فقال معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ((ثكلتك أمك، وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

عباد الله، إن اللسان هو أخطرُ الجوارح؛ ذلك أنه أخفُّها حركة وأشدُّها أثرًا حتى إن رسول الله شبه أثر اللسان في قلب الحقائق وتلبيس الحق بالباطل بالسحر فقال: ((إن من البيان لسحرا)).

إخوة الإيمان، إن رجالاً يطلقون لألسنتهم العنان ولأقلامهم الزّمام، إنما يتقحمون بذلك نار جهنم، فعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله: ما أخوفُ ما تخافُ عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: ((هذا)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وسأل عقبة بن عامر رضي الله عنه رسول الله: ما النجاة؟ قال: ((أمسك عليك لسانك، وليسعكُ بيتك، وابكِ على خطيئتك)) رواه الترمذي وحسنه، وكان أبو بكر رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول: ((هذا الذي أوردني الموارد))، بل إن رسول الله تكفّل لمن حفظ لسانه الذي بين لحييه وفرجه الذي بين رجليه بالجنة. متفق عليه.

عباد الله، هل أدرك هذا الأمرَ من يحمل قلمًا يكتب به في الصحف والمجلات أو الساحات والشبكات؟! هل أدرك هؤلاء أنهم يحملون في أيديهم سلاحًا أمضى من كل سلاح، سلاحًا يصلح ويفسد ويجمع ويفرق؟!

إن شئت أصلحتَ به ذات البين، وإن شئتَ فرقت به بين الحميمين، إن شئت جليتَ به الحقّ وعرّيت به الباطل فكنت هاديًا مهديًا، وإن شئتَ لبست به الحق ونصرتَ به الباطل فكنت شيطانًا على سبيل من سبل جهنم.

إن عددًا من مرضى القلوب ممن يحملون ألسنة حدادا وأقلامًا سلِطة وجرأة على الدين قد اتخذوا من الأحداث الآثمة التي تمرّ بها بلادنا ذريعة وسلَّمًا لنيل مآربهم وتحصيل مقاصدهم وتصفية حساباتهم، فباسم مقاومة الإرهاب سبّوا الدين وتكلّموا في الثوابت واجترؤوا على العقيدة ونالوا من رجالات الإسلام ودعاة الخير. فمرّةً على فهم السلف لملة إبراهيم، وأخرى لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وثالثة لعقيدة الولاء والبراء، ورابعة لشيخ الإسلام ابن تيمية، وخامسة لمناهج التعليم، وسادسة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسابعة لحِلق تحفيظ القرآن الكريم، وثامنة للجمعيات الخيرية، والمحصّلَة حرب الإسلام باسم حربِ الإرهاب، فإذا أنكِر على أحدهم أو خوِّف بالله أقسم الأيمان المغلظة أنه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير