ما قصد إلا الإصلاح ولا أراد إلا الحسنى، وصدق الله العظيم: وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [التوبة:107]، ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا [النساء:62، 63]، لقد زعم كثير من هؤلاء الكتاب أنهم يحاربون الإرهاب، وكذبوا والله، إنهم يصنعون الإرهاب.
إن الرجل ليرخص نفسه ويبذلُ مهجته إذا انتهِك عرض، ولا شك أن دين الإنسان أغلى وأنفسُ من عرضه، فمن يسب الدين بسبِّ رجالاته ورموزه وأجهزته وهيئاته ومناهجه وعقائده يستعدي شعبًا بأكمله، بل أمة بأكملها، يسبّ دينها وثوابتها.
لقد رأى هؤلاء المفتونون أنّ الدولة ـ وفقها الله ـ تدافع عن الإسلام، وتدعَم هيئاته ومؤسّساته، فشرقوا بذلك، وأرادوا استعداءها على أهل الدين.
يتظاهرون بحرب الإرهاب وهم يطلبون الفتنة ويغرون بالعداوة، وصدق الله العظيم: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لَقَدْ ابْتَغَوْا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:47، 48].
إخوة الإيمان، تهدأُ الأمور فيتخفّى المنافقون ويلبسون مسوحَ الإصلاح، حتى إذا كادوا أن يشتبهوا بأهل الحقّ رحم اللهُ الأمة ففتنَ أهل النفاق وأخرج أضغانهن وكشفَ دخائلهم، فيتبيّنهم المؤمنون، لا يضامّون في معرفتهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ [محمد:29، 30].
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك البر الرحيم، وأشهد أنّ محمدًا النبيّ الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أنه لا بد للمؤمن من العلم ومعرفة الحق، ولا بد بعد العلم من العمل.
إخوة الإيمان، إنه لا يكفي أن يعرف المؤمن الحقّ من الباطل ولا المؤمنَ الصادق من المنافق الكاذب، بل لا بد بعد العلم من العمل.
إنّ دين المسلم هو أغلى شيء يملكه في الحياة، كيف لا وهو سرّ سعادة المرء في الدنيا والآخرة.
إخوة الإيمان، كان الرجلُ من صحابة رسول الله ما إن يدخلُ في هذا الدين ويخالط شغاف قلبه إلا وينذر نفسه لنصرتِه والدفاعِ عنه وموالاة أهله ومعاداة أعدائه. فبهذا انتصر هذا الدين وعلا شأنه وارتفعت رايته وعز أهله. وإن دَور كلّ مسلم يرى هذه الحربَ الضروس على دينه أن ينصر دين الله، ويقارع أعداء الله.
واعلموا ـ عباد الله ـ أن دين الله منصور وأمره ظاهر، ولكن الإنسان يرتفع بنصرة هذا الدين، ويحقق النجاة لنفسه، إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].
ثم اعلموا ـ أيها المؤمنون ـ أن كلاًّ على ثغر، وأنّ كل أحد يطيق أن ينصر هذا الدين، فالوسائل كثيرة، والمجالات متعددة، ولكن ينبغي أن تكون نصرة هذا الدين بالحكمة والموعظة الحسنة، بالكلمة الهادئة والموعظة اللينة، بعيدًا عن التكفير والتفسيق أو التبديع والسبّ، فلعل صاحب شبهة أو مغررًا به يُغْلَظُ عليه ويُستعدى فيكون من أعداء الدين.
لقد كان رسول الله يعلم أعيانَ المنافقين ومع ذلك لم يكن يواجههم بذلك.
إن الكلام اللينَ والدعوات الصادقة تفتح القلوب وتشرح الصدور وأنتم دعاة إلى الله سبحانه. وأما من ظهر فسقه واستشرى شره وعظمت فتنته فمنهج السلف الصالح تحذيرُ الناس من بدعته وتعريفُهُم شرَّه وخطَرَه.
الخطبة الأولى
¥