تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما بعد: عباد الله: النفاق من اللُّوثات الخبيثة، والأمراض المعنوية الخطيرة التي يعاني منها الإسلام على مر الأيام والدهور بمرارة، وهو انحراف خلقي خطير في حياة الفرد والجماعة، إذ يقوم بعمليات الهدم الشنيع، والتفتيت الفظيع للمجتمع من الداخل، وصاحبه آمن مستأمن، لا تراقبه الأعين، ولا تطيف بذكره الألسن، ولا تحسب حساباً لمكره ومكائده الأنفس.

النفاق ـ يا رعاكم الله ـ: سلوك مركب في الفرد، يرجع إلى عناصر خلقية متعددة، أولها: الكذب، وثانيها الجبن، وثالثها الطمع في حطام الدنيا الفاني، ورابعها الإعراض عن الحق وجحوده، وتلك بمجموعها تمثل شبكة شيطانية عنيدة، يصعب التعامل معها، والحذر منها. ترى الواحد منهم يعيش بين الناس بلسانين، وتتلون نفسه بلونين، يقود نفسه بزمام الشيطان إلى الرذائل والمحرمات، فإذا همت بالمعروف قال لها: مهلاً!

وتبرز خطورة النفاق والمنافقين على المؤمنين: في تدبير المؤتمرات، وحبك الدسائس، والمشاركة فيها، والاستجابة لمروجيها، لأنهم قوم خونة، لا تصفو مودتهم لأحد، ولا يسلم من أذاهم بشر، قد صدق فيهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((تجدون من شر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه و هؤلاء بوجه)) رواه مسلم.

ترى أحدهم يتقلب بين الأفراد والجماعات، لا يُدرى مع من يأمن، ولا من يخالط ويرضى، منطبقاً عليه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((مثل المنافق كمثل الشاة العائِرَة بين الغَنَمَين، تَعِيُر إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة)) رواه مسلم.

?لْمُنَـ?فِقُونَ وَ?لْمُنَـ?فِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِ?لْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ?لْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ?للَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ?لْمُنَـ?فِقِينَ هُمُ الْفَـ?سِقُونَ وَعَدَ الله الْمُنَـ?فِقِينَ وَ?لْمُنَـ?فِقَاتِ وَ?لْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَـ?لِدِينَ فِيهَا هِىَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ?للَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [التوبة:67، 68].

عباد الله، ومن أبرز المخططات النفاقية التي سجلها القرآن الكريم وصمة عار على جبين المنافقين إلى يوم القيامة: مخطط مسجد الضِّرار، التي دبرها المنافق" أبو عامر الراهب" مع فريق من "المنافقين" من جهة، ومع "الروم" من الجهة الأخرى، بقصد القضاء على المسلمين سراً وهم غافلون. كان" أبو عامر الراهب "خَزرجياً من أهل يثرب، وقد "تنصر قبل الإسلام"، وكان ذا مكانة في قومه، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وبنى (مسجد قباء) أول مسجد أُسِّسَ على التقوى، ورأى هذا المنافق تجمع المسلمين فيه، وظهور أمرهم أعلن عداءه الأكيد للرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وأخذ يؤلب عليه من استطاع صده عن الإسلام من قومه.

غير أن هذا المنافق لم يظفر بما يريده داخل المدينة، فخرج منها إلى مكة محرضاً المشركين فيها على محاربة المسلمين، بعد أن شرقت نفسه بانتصار المسلمين في (غزوة بدر الكبرى).

وكان قد حلف ليحاربن محمداً مع كل من يحاربه. وقال لمشركي مكة: إن لي أنصاراً في يثرب، إذا رأوني لم يختلف عليَّ منهم رجلان.

فخرج مع المشركين في غزوة أحد، وكان في أول جيشهم، ليستحث قومه الذين في صفوف المسلمين على طاعته، وخذلان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم. لكنهم لم يستجيبوا له بعد أن شرفت نفوسهم بالإسلام، ونعمت قلوبهم ببرد الطاعة وحلاوة الإيمان. فرجع إلى مكة مع المشركين ممتلئاً غيظاً وحقداً على المسلمين، الذين فرقوا بينه وبين قومه بزعمه.

وما برح هذا المنافق يدبر الخطط، ويحيك المؤامرات ضد المسلمين حتى فتح الله مكة على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح الطائف، فانضم هذا المنافق إلى قبائل هَوازن وثَقيف ومن معهم يقاتل المسلمين. ولكن الله جل شأنه نصر المسلمين في حُنين، فيئس "أبو عامر الراهب" من الاعتماد على قوات الشرك داخل الجزيرة، وقلبه يغلي كراهية وبغضاً للإسلام والمسلمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير