تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقرر أن يستعين على المسلمين بهرقل الروم في الشام فهرب إليه، واتفق معه على أن يرسل معه جنداً لحرب محمد وأصحابه، في عملية انقضاض ماكرة خبيثة على عاصمة الإسلام والمسلمين. وفي سبيل إحكام هذه المؤامرة، ولتكون حملة شرسة خاطفة لا يتنبه لها أحد، أخذ أبو عامر يُراسل خلصاءه من المنافقين في المدينة سراً بما اتفق عليه مع قيصر الروم، ويأمرهم بالاستعداد بكل ما استطاعوا من قوة وسلاح، وأن يبنوا قاعدة سرية في ضاحية المدينة، لا يشعر المسلمون لما يراد منها.

تمثلت هذه القاعدة في مسجد يبنيه المنافقون، ويجتمعون فيه، متخذين لإقامته المبررات الكافية أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يأذن لهم بإقامته. وفي سبيل تنفيذ هذه المؤامرة الماكرة اجتمع اثنا عشر منافقاً، وقرروا إقامة مسجدهم هذا قريباً من مسجد قباء، وقد تم بناؤه بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجهز للسفر إلى (تبوك)، لغزو الروم. فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: يا رسول الله! إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه. فقال صلى الله عليه وسلم: ((إني على جناح سفرٍ، وحال شغل، ولو قدمنا إن شاء الله لأتيناكم فصلينا لكم فيه)).

وخرج المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمسلمين إلى تبوك، دون أن يصلي لهم في مسجدهم هذا، وبينما هو عائد من تبوك، راجع إلى المدينة، وقد انهكته مؤامرات المنافقين الذين رافقوه في غزوة تبوك، نزل عليه الوحي يخبره بمؤامرة المنافقين، وحال المسجد الذي بنوه في المدينة، وينهاه عن الصلاة فيه، قائلاً سبحانه وتعالى: وَ?لَّذِينَ ?تَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ ?لْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لّمَنْ حَارَبَ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ?لْحُسْنَى? وَ?للَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـ?ذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى ?لتَّقْوَى? مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَ?للَّهُ يُحِبُّ ?لْمُطَّهّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى? تَقْوَى? مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى? شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَ?نْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ وَ?للَّهُ لاَ يَهْدِى ?لْقَوْمَ ?لظَّـ?لِمِينَ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ?لَّذِى بَنَوْاْ رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَ?للَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:107 - 110].

فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أصحاب مسجد الضرار، فسألوه أن يأتي مسجدهم ويصلي لهم فيه، فدعى نفراً من أصحابه، وأمرهم أن ينطلقوا إلى المسجد الظالم أهلُه فيهدموه ويحرقوه، فانطلقوا حتى أتوه، فهدموه وحرقوه. وانكشفت مكيدة المنافقين، وتم وأدها في مهدها، وتوقفت مكائد المنافق أبي عامر الراهب، ثم هلك في "قنسرين" من أرض الشام، إلى جهنم وبئس القرار.

أيها المسلمون، لقد بنى المنافقون مسجد الضرار إضراراً بالمسلمين، وتفريقاً بينهم، وقصدوا من خلاله مباهاة أهل الإسلام، وتقوية أهل النفاق، والإرصاد والتجميع لحرب الله ورسوله والمؤمنين، ولكن الله غالب على أمره، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ?للَّهُ وَ?للَّهُ خَيْرُ ?لْمَـ?كِرِينَ [الأنفال:30]. يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ?للَّهِ بِأَفْو?هِهِمْ وَيَأْبَى? ?للَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ?لْكَـ?فِرُونَ [التوبة:32].

إن مسجد الضرار الذي بناه المنافقون: هو بمثابة الأساس الخرب لكل مخطط، يُقصد من خلاله الإضرار بالمسلمين وإسلامهم إلى يوم القيامة، فإن الله سبحانه وتعالى قال: لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ?لَّذِى بَنَوْاْ رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَ?للَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:110]. أي: لا تزال الريبة والمكر والعداء للإسلام وأهله في نفوس المنافقين قائمةً، ما داموا على قيد الحياة، حتى يُقتلوا أو يتوبوا إلى الله، توبة تتقطع لها قلوبهم ندماً وأسفاً على تفريطهم وعدوانهم للإسلام وأتباعه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير