تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإن مسجد الضرار الذي بناه المنافقون في الصدر الأول ما يزال اليوم يتخذ في صور شتى من الوسائل الماكرة التي يتخذها أعداء الإسلام لحرب المسلمين، وتفريقهم، وتشويه صورة الإسلام في نفوسهم، عبر وسائلهم المختلفة، فقنوات البث المباشر الناشرة للرذيلة يعد وكراً من أوكار الضرار، والمجلات الفاتنة الفاضحة، والجرائد المنحرفة الضالة، والكتب الهدامة، صور جديدة لمسجد الضرار، وقوالب مختلفة لمسجد الضرار، يقوم عليها علمانيون وحداثيون وإن تلبسوا باسم الإسلام، وافتتحوا أوكارهم بمقدماته، ونشرت بعض قيمه وأخلاقه، فهي تحمل في طياتها الفساد والانحلال والغزو الفكري المركز ضد عقيدة المسلمين، وتربيتهم وقيمهم وأخلاقهم، وإنما يتأكلون باسم الإسلام. وعلى شاكلتها كل محل ينشر الرذيلة، أو يبيع الفساد والخبث للمسلمين، كمحلات الفيديو ومحلات الأشرطة الغنائية، والأزياء الفاضحة، والمكتبات التي تروج للفساد والإفساد بين المسلمين، كلها صور متنوعة ومختلفة لمسجد الضرار. بل وكثير من المنظمات والأحزاب المنتمية للإسلام، والفرق الخارجة عنه إنّما هي صور مشكلة مزخرفة لمسجد الضرار.

ترفع لافتة الإسلام وتدعي الدفاع عنه وتتحدث باسمه، وتزعم أنها الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، وكلها في النار إلا من كان على مثل ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، وما هي إلا وسائل فرقة وهدم للإسلام والمسلمين، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل، يذبح المسلمون على أيديهم في مشارق الأرض ومغاربها، ويمحق الإسلام بمخططاتهم، وتداس أوامره ونواهيه على أيديهم، ومع ذلك يزعمون أن الإسلام بخير، وأن المسلمين بأمن وأمان، لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون. قَاتَلَهُمُ ?للَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4].

بل إن مسجد الضرار معاشر المسلمين: ما هو إلا صورة جامدة للنفاق والمنافقين، فقد يتمثل ذلك المسجد في منافق يمشي بالنفاق بين الناس، يخذلهم ويثبطهم عن نصرة الإسلام والمسلمين، والدفاع عن كرامتهم، وحماية حقوقهم وينشر بينهم من الرذائل والموبقات ما تنهدم به مجتمعاتهم، وتفسد به أخلاقهم، كمروجي المخدرات، وبائعي الأفلام الخبيثة، والمجلات الفاضحة، والكذبة والنمامين والواشين ومن في حكمهم.

ولكن الفرج والغلبة للمسلمين، فإن التعبير القرآني الفريد في آيات مسجد الضرار، يرسم الصورة النهائية التي توضح بجلاء مصير كل وسيلة إضرار بالمسلمين تقام إلى يوم القيامة، ويكشف عن نهاية كل محاولة خادعة تخفي وراءها نية خبيثة ضد المسلمين وَلاَ يَحِيقُ ?لْمَكْرُ ?لسَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلاْوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ?للَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ?للَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر:43]. أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى? تَقْوَى? مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى? شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَ?نْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ وَ?للَّهُ لاَ يَهْدِى ?لْقَوْمَ ?لظَّـ?لِمِينَ [التوبة:109].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن آيات مسجد الضرار اشتملت على عدد من التوجيهات الفريدة، التي يجب العناية بها، والحذر من نقيضها:

أولاً: أن اتخاذ المسجد الذي يقصد به الضرار بمسجد آخر قريب منه محرم، يجب هدمه إذا اطلع عن مقصود أهله.

ثانياً: أن كل وسيلة يحصل بها التفريق بين المؤمنين، هي من المعاصي التي يتعين تركها، وإزالتها. كما أن كل وسيلة يحصل بها جمع المسلمين، وائتلافهم يتعين اتباعها والأمر بها والحث عليه.

ثالثاً: النهي عن الصلاة في أماكن المعصية، والبعد عنها.

رابعاً: أن المعصية تؤثر في البقاع، كما أثرت معصية المنافقين في المسجد الذي بنوه، وكذلك الطاعة تؤثر في الأماكن، ولهذا كان لمسجد قُباء من الفضل ما ليس لغيره، فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يزوره كل سبت، يصلي فيه، وحث على الصلاة فيه بقوله: ((من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة)) رواه ابن ماجه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير