كذلك الكذب إخوة الإسلام هو أحد شعب النفاق وهو يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، وهكذا بقية شعب النفاق العملية،من إخلاف الوعد، وفجور في الخصومة، وخيانة في الأمانة وغيرها، قد نتساهل بها أحياناً وهي طريقُ الضلالِ والنفاقِ الأكبر، ألا فليحذر العاقلُ من شعب النفاق كُلِّها ويتهمَ نفسه كما اتهم السابقون أنفسهم وليطيِّب أعماله كما طيَّبها السابقون، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ومن يرائي يرائي الله به ومن يسمع يسمَّع الله به، واحذروا ذا الوجهين فهم شرار الخلق كما قال النبي: ((تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه)) رواه البخاري، وهذا الصنيع وإن كان في عرف المتأخرين دهاءٌ ولباقة فهو في عرف المتقدمين كذب ونفاق وخيانة.
اللهم أنر بصائرنا، وألهمنا رشدنا، واحفظ علينا ديننا، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا يارب العالمين
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه في قوله: إِنَّ ?للَّهَ وَمَلَـ?ئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد
الخطبة الأولى
ثم أما بعد:
فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى الذي ما من غائبة في السماء ولا في الأرض إلا ويعلمها ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, فأصلحوا عباد الله بواطنكم كما تعتنون بصلاح ظواهر كم، فإن الله تعالى لا ينظر إلى الصور والأجسام، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال.
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سأل حذيفة بن اليمان وكان (حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم) سأله عمر فقال: أنشدك الله يا حذيفة أما ذكرني رسول الله مع المنافقين، فقال: لا، ولا أزكي أحداً بعدك.
الله أكبر يا عمر، يخاف عمر على نفسه النفاق … يخاف أن يكون من الذين قال الله فيهم إِنَّ ?لْمُنَـ?فِقِينَ فِى ?لدَّرْكِ ?لاْسْفَلِ مِنَ ?لنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً [النساء:145].
من هو عمر؟ إن مسلماً على وجه الأرض لا يعرف عمر لا يكاد يكون موجوداً …. إن عمر من أهم شخصيات أمة الإسلام، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصفه: أنه من أهل الجنة، وأنه ما سلك فجاً إلا سلك الشيطان آخر، ويخاف الشيطان منه، وأنه شهيد، ولو كان بعده نبي لكان عمر، وأنه ملهم، ومع ذلك يخاف عمر على نفسه النفاق.
إذاً يا عباد الله، فالنفاقُ أمره عظيم وخطير. إذا كانت تلك الشخصيةُ الهامةُ بعد رسول الله وأبي بكر. يخاف النفاق على نفسه.
فما هو النفاق؟
إن النفاق هو مخالفة الباطن للظاهر، بأن يظهر صاحبُه الإيمانَ بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن بذمِّ أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار، وهو النفاق الاعتقادي.
وثمة نوع آخر من النفاق، وهو النفاق العملي، وهو طريقٌ موصل إلى الأول وأصوله مذكورةٌ في قوله صلى الله عليه وسلم: ((أربعٌ من كن فيه كان منافقاً، وإن كانت خصلةٌ منهن فيه كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر)) [البخاري ومسلم].
ولقد بين الله تعالى أوصاف المنافقين في كتابه أكمل التبيين حتى يتعرف المؤمنون على أهل هذه الأوصاف فيحذروهم، فمما وصفهم الله تعالى به بالأوصاف التالية:
أنهم لم يرتضوا الاسلام ديناً ولا الكفر الصريح مبدأً، فكانوا مذبذبين بين الكفار والمؤمنين غير أنهم يبغضون المؤمنين ويتولون الكافرين، وأنهم يأخذون من الدين ما سهل عليهم ويتقاعسون عن تنفيذ ما يشق عليهم كشهود صلاة العشاء والفجر في المسجد، وإذا أرادوا شيئاً من العبادات فكأنما يستكرهون أنفسهم عليه فيؤدونه بكسل وتثاقل، وأنهم يقولون مالا يفعلون، فيقولون الكلام المعسول بينما يضمرون الكيد والمكر، قلوبهم قاسية، وعقولهم قاصرة، فلا يتأثرون بالقيم الإنسانية النبيلة، والمثل العليا، ولا يقدرون مكارم الأخلاق، أفقهم ضيق، ونظرتهم محدودة، فصحاء شجعان في السلم،
¥