5 - عبد الله بن الزبير ? وجوده: كان عبد الله بن الزبير كريمًا يعطى حقوق الرعية كاملة، ويزيد إلى من يستحق، ولا يدفع إلا بطرق مشروعة، ولكن اتهمه بعضهم بالبخل إذ لم يكن مبذرًا يعطى عن يمين وعن شمال من لا يستحق، ولم يكن مسرفًا فلا يدفع إلا قدر الحاجة، ولا يُقدّم للمدّاحين والمتزلّفين، وهم عادة أصحاب ألسنة حادة ومنها تخرج الشائعات الهادفة، غير أن ابن الزبير لم يكن يُبالي بما يُقال، ما دام أنه على الجادة ()، وقد انساق كثير من الباحثين وراء روايات الخصوم واتهموا ابن الزبير بالبخل، وهذا الوصف فيه تجنٍّ على حقيقة ابن الزبير، وللأسف أن أصحاب الدراسات الحديثة لم يلتفتوا إلى الروايات الأخرى التي تنفى صفة البخل عن ابن الزبير ()، والذي يظهر أن صفة البخل التي وصف بها ابن الزبير كانت بسبب سياسته المالية المتشددة، ذلك أن ابن الزبير كان يتأسى بالخلفاء الراشدين وينظر إلى ما بيده من مال أنه ليس ملكًا له وإنما هو للمسلمين، ومن ثمّ لا ينفقه إلا في وجوهه الشرعية () فالذين عاشوا في ذلك العصر ورأوا سياسة ابن الزبير المتشددة وقارنوها بسياسة الأمويين في الإنفاق لكسب الأنصار والمؤيدين والشعراء، اتهم بعضهم ابن الزبير بالبخل، وهذه الآثار تدل على كرم وجود ابن الزبير ? وحرصه على أموال المسلمين:
أ- شهادة السيدة عائشة في كرم ابن الزبير: قالت عائشة بنت طلحة: خرجت مع أم المؤمنين عائشة - وهي خالة عائشة بنت طلحة - فبينما نحن كذلك إذا براجز يقول:
أنشد من كان يعيد الهمّ
يدلني اليوم على ابن أمّ
له أب في باذخ أَشَمّ
وأمه كالبدر ليل تمّ
مقابل الخال كريم العمّ
جرّعه أكؤسه بسمّ
قالت: فلما سمعت أم المؤمنين أبياته دعت به، فقالت له من وراء حجابها: يا عبد الله، سمعت رسول الله × يقول: «الدّال على الخير كفاعله». فحاجتك رجل بين يديك، فاسأل عبد الله بن الزبير، فإنه شرطك، فخرج الرجل حتى أدرك عبد الله بن الزبير فحمله على راحلة وصنع إليه معروفًا ().
ب- شهادة معاوية بن أبى سفيان في ابن الزبير رضي الله عنهم: سمع معاوية ? رجلاً وهو يقول:
ابن رقاش ماجد سَمَيْدع
يأتي فيعطى عن يدِ أو يمنع
فقال: ذاك عبد الله بن الزبير ().
ج- نابغة بنى جعدة وابن الزبير: عن عبد الله بن عروة قال: أقحمت السنة نابغة بنى جعدة فدخل على عبد الله بن الزبير المسجد الحرام فأنشده:
حكيت لنا الصدَّيق لما وليتنا
وعثمان والفارق فارتاح مُعْدِمُ
وسوَّيت بين الناس في الحق فاستووا فعاد صباحًا حَالك اللون مظلم
أتاك أبو ليلى يجوب به الدُّجى
دُجى الليل جواّب الفلاة عَثمثمُ
لتجبر منه جانبًا دعدعتْ به
صُروف الليالي والزمان المُصَمّم
فقال ابن الزبير: هوّن عليك أبا ليلى، فإن الشعر أهون وسائلك عندنا، أمّا صفوة مالنا فلآل الزبير، وأمّا عفوته فإن بنى أسد تشغلها عنك، وتيمًا، ولكن لك في مال الله حقان: حق برؤيتك رسول الله ×، وحق لشركتك أهل الإسلام في فيئهم، ثم أخذ بيده فدخل به دار النَّعَم، فأعطاه قلائص سبعًا وجملاً رحيلاً، وأوقر له الركاب برًا وتمرًا وثيابًا، فجعل النابغة يستعجل ويأكل الحب صِرْفًا، فقال ابن الزبير: ويح أبى ليلى، لقد بلغ الجهد ().
فهذا الخبر ينفى ما روى عن بخل ابن الزبير، ففرق بين البخل والحفاظ على مال المسلمين، فقد بدا واضحًا من كلام عبد الله بن الزبير تبريره حق النابغة الجعدي فيما منحه إياه دون أي اعتبار لما مدحه به من شعر ().
د- عبد الله بن عروة ابن أخ ابن الزبير: جاء في رواية للزبير بن بكار أن
عبد الله بن الزبير زوّج ابنته أم حكيم من ابن أخيه عبد الله بن عروة، فأرسل عروة إلى أخيه عبد الله عشرين ألف درهم فردها عبد الله قائلاً: لو أردت المال لوجدته عند غيرك ().
هـ- حمزة بن عبد الله بن الزبير في سجن أبيه: قدم حمزة بن عبد الله بن الزبير على أبيه بعد أن عزل من العراق، فلما سأله أبوه عن المال أخبره بأنه وزعه على قومه فوصلهم به، فقال له ابن الزبير: مال ليس لك ولا لأبيك. ثم سجنه () وهكذا يتضح حرص ابن الزبير على المال العام، وإنفاقه وكرمه الذي لا تجاوز فيه لشرع الله في الإنفاق.
...
ابن الزبير
في عهد أبى بكر وعمر
وعثمان وعلى ومعاوية
رضي الله عنهم
الفصل الثاني
ابن الزبير في عهد أبى بكر وعمر
وعثمان وعلى ومعاوية رضي الله عنهم
¥