تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما وصل الحصين خبر موت الخليفة بعث إلى ابن الزبير فقال: موعد ما بيننا الليلة الأبطح، وكان يريد أن يجتمع به ويفاوضه في الخلافة، فالتقيا وتحادثا طويلاً واشتد بينهما الجدل، وكان فيما قال الحصين لابن الزبير وهو يدعوه للخلافة: إن يك هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الأمر، هلم فلنبايعك، ثم اخرج معي إلى الشام، فإن هذا الجند الذي معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم، فوالله لا يختلف عليك اثنان، وتؤمن الناس، وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك، والتي كانت بيننا وبين أهل هذه الحرة. فقال عبد الله: أنا أهدر تلك الدماء؟ أما والله لا أرضى أن أقتل بكل رجل منهم عشرة منكم، وكان الحصين يكلمه سرًا، وهو يجهر جهرًا ويقول: لا والله لا أفعل. فقال له الحصين: قبح الله من يعدك بعد هذه داهيًا قط أو أريبًا، قد كنت أظن لك رأيًا، ألا أراني أكلمك سرًا وتكلمني جهرًا، وأدعوك للخلافة وتعدني للقتل والهلكة ()، وبعد أن افترقا، أدرك عبد الله خطأه في موقفه مع الحصين عندما عرض عليه الخلافة ومرافقته إلى بلاد الشام، وأراد أن يصحح هذا الموقف، وكان الحصين يستعد للعودة بجنده إلى دمشق، فأرسل إليه يقول: أما أن أسير إلى الشام فليس فاعلاً وأكره الخروج من مكة، ولكن بايعوا لي هناك فإني مؤمنكم وعادل فيكم، فرد الحصين بقوله: أرأيت إن لم تقدم بنفسك، ووجدت هناك أناسًا كثيرًا من أهل هذا البيت يطلبونها ويجيبهم الناس، فما أنا صانع؟ () وذكر البلاذرى أن عبد الله بن الزبير طلب من الحصين مهلة لاستشارة أصحابه عندما عرض عليه الحصين الأمر، ولكن أصحابه رفضوا الخروج إلى الشام (). ويصعب على المرء أن ينفذ إلى أعماق ابن الزبير ويعرف ما كان يدور في خلده والأسباب التي دفعته لرفض عرض الحصين، ولكن هناك مؤشرات عديدة تؤخذ بعين الاعتبار من الواقع السياسي في بلاد الحجاز ()، منها:

أ- لم تكن للحصين صفة رسمية عندما عرض الخلافة على ابن الزبير، ولم يكن يمثل الأمويين كلهم، رغم أنه قال إن الجند الذين معه هم وجوه أهل الشام وفرسانهم. فكيف يثق ابن الزبير بقائد حملة كان يقاتله قبل أيام ويريد أن يفتك به، وقد ظهرت المناقضة عند الحصين بقوله بعد ذلك: أرأيت إن لم تقدم بنفسك ووجدت هناك أناسًا كثيرًا من أهل هذا البيت يطلبونها ويجيبهم الناس ().

ب- إن الذي عرض عليه الخلافة هو أحد قادة معركة الحرّة، وكان حول ابن الزبير عدد من أهل المدينة الذين هربوا من وحشية تلك المعركة، لذلك كان ابن الزبير يرد على الحصين بصوت جهوري، يسمعه من حوله من أنصاره ليدفع الشك عن نفوسهم، يطمئنهم على موقفه من الحصين، فقال إنه لا يرضى قتل عشرة من جيش الحصين بكل واحد من أهل المدينة ().

ج- عدم وجود أنصار - حتى الآن - له في بلاد الشام يمكن أن يعتمد عليهم وينصرونه كما هو الحال في بلاد الحجاز، فأهل الشام كانوا يدينون بالولاء والمحبة والتقدير للأمويين.

د- عدم وجود جيش منظم حقيقي - كالجيش الأموي - عند ابن الزبير، وكل ما نستطيع أن نسمى به المدافعين عن ابن الزبير وعن مكة، أنهم من المقاتلين الذين يجتمعون وقت الشدة ويتفرقون عند زوالها، وهل هناك شدة أكبر من غزو الكعبة؟ وأعتقد أنه لو كان لابن الزبير جيش منظم حقيقي ومدرب مسلح - بحيث يستطيع هذا الجيش نصرة ابن الزبير لتوجه مع الحصين بن نمير، ولتم له النجاح ().

ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[07 - 07 - 09, 04:06 م]ـ

الفصل الرابع

بيعة عبد الله بن الزبير بالخلافة

المبحث الأول

وفاة يزيد بن معاوية وخلافة معاوية بن يزيد

أولاً: وفاة يزيد بن معاوية:

في عام 64هـ توفى يزيد بن معاوية وكانت وفاته بقرية من قرى حمص يقال لها حوّارين من أرض الشام، لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة 64هـ وهو ابن 38سنة في قول بعضهم، وعن هشام بن الوليد المخزومي، أن الزهري كتب لجده أسنان الخلفاء، فكان فيما كتب من ذلك: ومات يزيد بن معاوية وهو ابن تسع وثلاثين، وكانت ولايته ثلاث سنين وستة أشهر في قول بعضهم، ويقال: ثمانية أشهر ()، وعن أبى معشر أنه قال: توفى يزيد بن معاوية يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وكانت خلافته ثلاث سنين وثمانية أشهر إلا ثمان ليال، وصلى على يزيد ابنه معاوية بن يزيد ()، وقيل: وكانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر إلا أيامًا (

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير