محمد ابن الحنفية للأخذ بثأر آل البيت, والواقع أن ابن الحنفية تبرأ من المختار وأنكر أن يكون قد أرسله إلى العراق () , ودعت الشيعة بالكوفة إلى ابن الحنفية, فخاف ابن الزبير أن تفتح بذلك جبهة جديدة عليه مما يزيد الأمر خطورة وتعقيدًا () , وأرسل المختار جيشًا في عام 66هـ إلى مكة في موسم الحج, واستطاع أن يخلص ابن الحنفية من سجنه, ومنع ابن الحنفية الجيش من قتال ابن الزبير لكونه لا يستحل القتال في الحرم () , والواقع أن ابن الحنفية أصبح يشكل خطرًا على ابن الزبير بعد وصول نجدة العراق, وتروي المصادر أنه كان لابن الحنفية لواء في الحج ينافس فيه لواء ابن الزبير () , أما بالنسبة لابن الزبير فقد أحس أن مصدر قوة ابن الحنفية يكمن في مساندة المختار بن أبي عبيد له, ولذلك فكر في القضاء عليه, فأرسل أخاه مصعبًا واليًا على البصرة, وأمره أن يقاتل المختار وفعلاً استطاع مصعب بن الزبير أن يقضي على المختار في الرابع عشر من رمضان سنة 67هـ () , وأدى مقتل المختار إلى تضعضع موقف ابن الحنفية بمكة, ويروي ابن سعد أن ابن الزبير أرسل إلى ابن الحنفية أخاه عروة يطلب منه أن يبايع, وهدده بالحرب إن هو أصر على رفض البيعة () , ولاحت لابن الحنفية في هذه الأثناء فرصة رأى فيها مخرجًا من ضغوط ابن الزبير, تمثلت في دعوة عبد الملك بن مروان له بأن يقدم إلى الشام, فاغتنم ابن الحنفية هذه الفرصة وتوجه إلى الشام هو وأتباعه, واختاروا المقام بأيلة () , وهذه البلدة وإن كانت من بلاد الشام منطقة نفوذ عبد الملك بن مروان إلا أنها في أطرافها نحو الحجاز وأصبح تقريبًا في منطقة بعيدة عن الاثنين معًا, ولكن اتضح أن نوايا عبد الملك لم تكن تختلف عن نوايا ابن الزبير, فعرض عليه البيعة مقابل أموال وأعطيات سخية أو الخروج من بلاد الشام, وآثر ابن الحنفية الخروج على البيعة؛ حيث اشترط ذلك على ابن الزبير من قبل. وأراد ابن الحنفية العودة إلى مكة, ولكن ابن الزبير منعه من دخولها فتوجه بمن معه إلى الطائف, وقيل المدينة, وبقى بها إلى أن قتل ابن الزبير ().
2 - بيعة ابن الزبير في العراق
أدت وفاة يزيد بن معاوية إلى اضطراب الوضع في العراق ونشوب النزاع بين قبائله المختلفة حول السلطة, وهرب عبيد الله بن زياد إلى الشام, وخرج الخوارج قبل هروبه من السجن وبدأوا بإشاعة الفوضى والفساد, وبعد فتن وقتال اتفقت القبائل بالبصرة على أن يتولى عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب الأمر () , ثم شرع ابن الزبير في تعيين نوابه بعد بيعة أهل البصرة له إلى أن استقر على ولايتها أخوه مصعب, وعين أهل الكوفة عامر بن مسعود بن خلف القرشي () , وكتبوا بذلك إلى ابن الزبير فأقره, وهذا التصرف يعد في حقيقته إقرارًا من أهل الكوفة بخلافة ابن الزبير () , وتعامل أهل البصرة وأهل الكوفة مع ابن الزبير, كخليفة للمسلمين () , وقد ساعدت عوامل عديدة على نشر بيعة ابن الزبير بالعراق, من أهمها: الفراغ السياسي في السلطة بعد وفاة يزيد بن معاوية, وهروب عبيد الله بن زياد إلى الشام, كما أن التنافس القبلي على السلطة, واشتداد شوكة الخوارج وتهديدهم للأمن, أسهم في حث أهل العراق على توحيد كلمتهم والانضواء تحت لواء ابن الزبير ().
3 - بيعة ابن الزبير في الشام
بعد وفاة معاوية بن يزيد وفي مناخ الشام المشوب بالفوضى والاضطراب وجدت بيعة ابن الزبير منفذًا لها في بلاد الشام, لاسيما أن أخبار صمود ابن الزبير أمام جيش الحصين بن نمير في الحصار الأول, وبيعة أهل الحجاز له, قد تنامت إلى بلاد الشام, ويصور لنا البلاذري مواقف أهل الشام من بيعة ابن الزبير في تلك الظروف فيقول: فلما مات معاوية بن يزيد مال أكثر الناس إلى ابن الزبير, وقالوا: هو رجل كامل السن, وقد نصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان, وهو ابن حواري رسول الله ×, وأمه بنت أبي بكر بن أبي قحافة, وله فضل في نفسه ليس لغيره, وتكاد تجمع المصادر على بيعة جميع أقاليم أهل الشام ما عدا الأردن, فقد بايع زفر بن الحارث الكلابي () بقنسرين, وبايع النعمان بن بشير الأنصاري () , بحمص, واستطاع نائل بن قيس الجذامي () أن يسيطر على فلسطين ويدعو فيها لابن الزبير, ودعا الضحاك بن قيس الفهري لابن الزبير في دمشق () , وعين ابن الزبير الضحاك بن قيس واليًا على الشام () , هذه أهم الأقاليم التي
¥