مكّن انتصار مروان في معركة مرج راهط لدولته في الشام فبسط نفوذه عليها, وكانت خطوته التالية هي المسير إلى مصر لاستردادها من عامل ابن الزبير, وكانت هذه خطوة تدل على ذكاء مروان, فلمصر أهميتها الكبيرة, واستيلاؤه عليها يدعم موقفه في مواجهة ابن الزبير, ولم يكن استيلاؤه عليها صعبًا, فمعظم المصريين هواهم مع بني أمية, وبيعتهم لابن الزبير لم تكن خالصة وإنما كانت بيعة ضرورة () , ودعا مروان شيعة بني أمية بمصر سرًا () وهذا ما يفسر سهولة استيلاء مروان على مصر, فقد سار إليها بجيشه, ومعه عمرو بن سعيد, وخالد بن يزيد بن معاوية, وحسان بن مالك, ومالك بن هبيرة وابنه عبد العزيز () , ودارت بين مروان وابن جحدم عدة معارك انتصر فيها مروان وهرب ابن جحدم, ثم جاء إلى مروان طالبًا العفو على أن يخرج إلى مكة,
فعفا عنه.
وكان نجاح مروان في استرداد مصر في جمادى الآخرة سنة 65هـ () , وأقام في مصر شهرين لترتيب الأوضاع والاطمئنان عليها, ولما عزم على العودة إلى الشام عين ابنه عبد العزيز واليًا عليها, وأوصاه وصية تدل على حنكة سياسية, وخبرة واسعة, وكان عبد العزيز قد توجس وأخذته وحشة من بقائه في مصر فقال لأبيه: يا أمير المؤمنين, كيف المقام ببلد ليس به أحد من بني أبي؟ فقال له:
يا بني, عُمهم بإحسانك يكونوا كلهم بني أبيك, واجعل وجهك طلقًا تصفُ لك مودتهم, وأوقع إلى كل رئيس منهم أنه خاصتك دون غيره, يكن لك عينًا على غيره, ويَنْقَد قومه إليك, وقد جعلت معك أخاك بشرًا مؤنسًا, وجعلت موسى بن نصير وزيرًا ومشيرًا, وما عليك يا بني أن تكون أميرًا بأقصى الأرض, أليس أحسن من إغلاق بابك وخمولك في منزلك؟ ().
بعد رجوع مروان بن الحكم قافلاً من مصر أقدم على تجهيز حملتين ضد ابن الزبير في محاولة منه لإعادة العراق والحجاز, فكانت الحملة ضد العراق بقيادة عبيد الله بن زيادة, وكانت مهمتها الأولى هي محاصرة زفر بن الحارث الكلابي والتخلص منه ثم التقدم نحو العراق, حيث مصعب بن الزبير, ولكن هذه الحملة لم تحقق شيئًا من أهدافها في عهد مروان؛ إذ سارع إليه الأجل وتوفى وهي في طريقها لمحاصرة زفر بن الحارث في قرقيسيا, وعند مجئ عبد الملك أقر هذه الحملة -التي سوف نعرض للحديث عنها فيما بعد- أما ما يتعلق بالحجاز فقد جهز مروان جيشًا من فلسطين يقدر بستة آلاف وأربعمائة فارس بقيادة حبيش بن دلجة القيني, وكان في الجيش الحجاج بن يوسف ووالده, اتجه هذا الجيش نحو الحجاز, ولما وصل إلى وادي القرى هرب عامل ابن الزبير على المدينة () , واستمرت الحملة إلى عهد عبد الملك بن مروان ().
رابعًا: تولية العهد لعبد الملك ووفاة مروان بن الحكم:
ختم مروان بن الحكم أعماله بعقد البيعة لولديه عبد الملك بن مروان وعبد العزيز بن مروان مجسدًا لمبدأ التوريث, وكان ذلك قبل وفاته بأقل من شهرين () , وبعد نجاحه بإعادة مصر إلى الحكم الأموي, بدأ مروان بالتخطيط لاستبعاد خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد الأشدق من ولاية العهد الذي قرر في مؤتمر الجابية, فتزوج أم خالد بن يزيد, وعمل للحصول على موافقة حسان بن مالك بن بحدل الكلبي بتولية العهد لولديه وإبعاد خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد الأشدق, فوافقه حسان على ذلك, وقد كان عمرو بن سعيد الأشدق هو الذي يطالب بولاية العهد بعد مروان, وأعلن ذلك بعد رجوعه من قتال مصعب بن الزبير عندما حاول إعادة ناتل بن قيس الجذامي إلى فلسطين () , مما دعا مروان بن الحكم إلى أن يعهد لابنيه عبد الملك وعبد العزيز وذلك سنة 65هـ مستعينًا بحسان بن مالك بن بحدل بعد أن أخبره بما يردده عمرو بن سعيد ابن الأشدق بأن الأخير هو ولي العهد, فقال حسان: أنا أكفيك عمرًا. لهذا جمع الناس وخطبهم فبايع الجميع لعبد الملك ثم لعبد العزيز ولم يتخلف أحد ().
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[07 - 07 - 09, 04:08 م]ـ
ويعتبر بعض المؤرخين أن من أهم أعمال مروان بن الحكم تولية ولديه ولاية العهد, وذلك لحفظ الخلافة في البيت المرواني من جهة, ولوضع حد للتنافس على الخلافة بين بني أمية من جهة ثانية, ولتفادي المشاكل التي ربما تحدث بشأن الخلافة, كما حدثت بعد موت معاوية الثاني ().
¥