يزيد كان يقول على ابن الزبير: ما على الأرض اليوم خير منه () , كما أن علاقته بمصعب بن الزبير كانت حسنة.
وأما عن دوره السياسي في عهد مروان بن الحكم, فقد تولى فلسطين, وكان يبعث نائبًا عنه روح بن زنباع () , ويمكن أن يكون ذلك ليبقى في دمشق قريبًا من إدارة الدولة لمساعدة والده هناك؛ لاسيما أن الفترة التي تولى فيها والده الحكم كانت الدولة محاطة فيها بالأعداء من الداخل والخارج, وتولى إمرة دمشق عند ذهاب والده لفتح مصر () , وهذه المهمة تدل على كفايته الإدارية وحزمه ().
ثالثًا: العلماء الذين كانوا مع عبد الملك:
بايع بعض العلماء لعبد الملك بن مروان بالشام, وكانوا قلة لا يعدون شيئًا أمام العلماء الذين بايعوا ابن الزبير أو الذين اعتزلوا حتى تجتمع الأمة على خليفة, وانحصر وجود هؤلاء في إقليم الشام, وقد ذكر من هؤلاء العالم الجليل قبيصة بن ذؤيب -رحمه الله- فكان من المبايعين لعبد الملك وأحد المقربين إليه () , ومنهم يزيد بن الأسود الجرشي -رحمه الله- فورد أنه كان مع عبد الملك في خروجه لقتال مصعب بن الزبير, وروي عنه أنه حين رأى الجيشين قد التقيا قال: اللهم احجز بين هذين الجبلين وول الأمر أحبهما إليك ().
رابعًا: حركة التوابين ومعركة عين الوردة 65هـ:
عندما عم الاضطراب أنحاء البلاد بعد موت يزيد وفرار عبيد الله بن زياد, شرع أنصار الحسين يتصلون ببعضهم البعض بهدف وضع خطة للثأر لدمه, إذ بعد استشهاده هزتهم الفاجعة وندموا على تقاعسهم عن نصرته والدفاع عنه, معترفين بخطيئتهم بحماسة شديدة, لذلك لم يجدوا وسيلة يكفرون بها عن هذا التقصير ويتوبون إلى الله بها من هذا الذنب الكبر سوى الثأر للحسين () , وأخذ الشيعة يعقدون الاجتماعات برئاسة سليمان بن صرد الخزاعي لدراسة الموقف, وأسلوب العمل الذي سيتبعونه, وغلب على هذه الاجتماعات موضوع التوبة والغفران, ثم شرعوا في تجييش الناس, وخرج التوابون من معسكرهم في النخيلة في شهر ربيع الأول 65هـ, وهو الموعد الذي حددوه لخروجهم, وكانت المحطة الأولى في مسيرتهم الانتقامية في كربلاء حيث بلغوا قبر الحسين فاسترحموا عليه وبكوا وتابوا عن خذلانهم له, وبعد يوم وليلة من البكاء كان الحماس قد أخذ منهم حق العمق, فقرروا السير إلى الشام لقتال عبيد الله بن زياد باعتباره الرجل الذي أصدر الأمر بقتل الحسين, لأنهم وجدوا أنه الطريق الأجدى لتحقيق الانتقام () , ومر جيش التوابين ببلدة هيت على الفرات, ثم صعد مع النهر إلى أن وصل إلى قرقيسياء (). وكانت هذه المدينة هي أبعد المناطق في هذا الاتجاه التي اعترفت -ولو اسميًا- ببيعة ابن الزبير () , واستقبل أمير قرقيسياء زفر بن الحارث الكلابي, جيش التوابين بحماسة, خاصة أنه قد جمعت الفريقين مصلحة مشتركة هي مقاتلة الأمويين, واقترح زفر عليهم توحيد صفوفهم مع أنصار ابن الزبير, إلا أنهم اعتذروا عن عدم قبول اقتراحه كما رفضوا نصيحته بالعدول عن قرارهم الانتحاري, واكتفوا بالتزود بما يحتاجون إليه من المدينة ثم مضوا إلى مصيرهم () , والتقى التوابون بالجيش الأموي في عين الوردة من أرض الجزيرة إلى الشمال الغربي من صفين في عام 65هـ, وخاضوا ضده معركة ضارية غير متكافئة بفعل قلة عددهم بالمقارنة مع عدد أفراد الجيش الأموي, أسفرت عن تدميرهم ومقتل زعمائهم باستثناء رفاعة بن شداد الذي تراجع بالبقية القليلة منهم إلى الكوفة ().
وقد علق الذهبي على سليمان بن صرد زعيم جيش التوابين بقوله: كان دينًا عابدًا, خرج في جيش تابوا إلى الله من خذلانهم الحسين الشهيد, وساروا للطلب بدمه, وسُموا جيش التوابين (). وعلق ابن كثير على جيش التوابين بقوله: لو كان هذا العزم والاجتماع قبل وصول الحسين إلى تلك المنزلة لكان أنفع له وأنصر من اجتماعهم لنصرته بعد أربع سنين () , وكان عمر سليمان بن صرد ? يوم قل ثلاثًا وتسعين سنة ().
¥